يحكى أنه كان هناك صائغ يقوم بصنع مجوهرات رائعة حتى ذاع صيته في الآفاق. لم يكن في كل أسواق دمشق من يستطيع مضاهاة عمله، ذاع صيته لدرجة أن أمير الظلام بنفسه، إبليس الشرير، جاء ليلقي نظرة على بضاعته.
و ذات يوم و بينما كان الصائغ جالسا يضع اللمسات الأخيرة لقلادة رائعة لسيدة ذات مقام عال لترتديه في زفافها، رأى الوجه الأسود الشرير للأمير الشيطاني و هو ينظر إلى المعروضات الرائعة المرصعة بالجواهر، فتعرف على زبونه من قرونه، و أطلق صرخة لحظة دخول ذلك الهيكل الطويل المتشح بالسواد إلى المتجر قائلا: " إرحمني يا أمير الظلام، هل حانت ساعتي إذا؟".
إبتسم الشرير و أجاب " لا تخف هذه المرة أيها الصائغ الماهر، لم آت لأقبض روحك، لقد سمعت عن مهارتك و تمنيت أن أرى أعمالك الرائعة بنفسي. ما تلك الأشياء الرائعة المعروضة هنا في الواجهة؟".
" من فضلك خذ ما تريد و لك تحياتي" قال الصائغ، و أضاف " هذه مجموعة من السلاسل و هي من أجود أنواع الذهب في العالم، أحجار كريمة على هيئة أسماك ذات عيون من الياقوت، فيل ذهبي، و مجموعة من الخواتم المرصعة بالزمرد". إبتهج الصائغ لأن روحه لن تقبض، لدرجة أنه كان على إستعداد أن يعطي الشرير كل ما يملك كي ينقذ نفسه.
رد أمير الظلام " لا أريد شيئا من ذلك الآن. إحتفظ بها لي عندك و سأعود مرة أخرى لآخذها حينما أكون مستعدا".
" كلها ملك لك، كل المعروضات" قال الصائغ متلعثما.
" حسنا! كل المعروضات إذا. إحتفظ لي بها عندك و سآتي يوما ما لآخذها. قد لا أريدها لسنوات، و لكن حين أريدها أتوقع منك أن تفي بوعدك، و إلا!".
" أعدك"، قال الصائغ بينما إختفى الهيكل الطويل المتشح بالسواد كأنه ومضة برق تاركا وراءه رائحة كبريت خفيفة. و إندفع الصائغ خلف المتجر حيث كانت زوجته.
" ساعديني يا عزيزتي أن أضع كل المعروضات التي في واجهة المتجر في صندوق، لن تصدقي من يريدها، إنه الشرير إبليس. كان هنا من لحظات و جعلني أعده بأن أحتفظ له بكل المعروضات عندي حتى عودته".
" كل المعروضات التي في الواجهة؟" صرخت الزوجة.
" نعم!نعم! و لكن من حسن الحظ أنه لم يأت من أجلي أنا؟ ألا تلاحظين ذلك؟ لقد إنصرف راضيا، أظن ذلك".
" آه يا زوجي الأحمق"، صرخت الزوجة. أنظر! إبنتنا الصغيرة في واجهة المتجر تلهو بالأقراط الذهبية، و الشرير يريدها أيضا بلا شك".
عاد الصائغ ليلقي نظرة على واجهة المتجر، و تأكد من وجود طفلته الصغيرة الحبيبة زورا تلعب هناك.
" بسرعة يا زوجتي" قال الصائغ، " إذهبي إلى صائغ الفضة و أحضري معك أوقية من الفضة النقية".
فعلت السيدة مثلما أمرت، و سرعان ما شرع الصائغ في طرقها كي تصبح حلقة من الفضة، و نقش عليها آية كريمة من القرآن و رش ماء زمزم المقدس على الحلقة التي علقاها في خيط حريري و ألبسها للطفلة لتحميها من مكائد أمير الظلام الشرير، و أخبراها بأنها يجب ألا تخلعها من رقبتها أبدا و إلا سيأخذها الشرير بعيدا.
مرت السنوات و لم يعد الزائر الشيطاني، لدرجة أن الصائغ و زوجته نسيا تلك الحادثة برمتها إلى أن جاء فيه يوم ظهر فيه الشرير مرة أخرى في المتجر.
" أتيت من أجل كنزي"، قال الشرير، أتذكر وعدك؟ الفتاة الآن عمرها سبعة عشر عاما، أليس كذلك؟".
بكى الصائغ قائلا: " يا أمير الظلام، أبق على حياتها أرجوك، خذني أنا، و أترك إبنتي زورا لتسعد بحياتها، أتوسل إليك".
في تلك الأثناء كانت الزوجة قد جاءت و ركعت على ركبتيها متوسلة، لكن الشرير غضب غضبا شديدا و صاح فيهما كي يحضرا الفتاة، حيث أنه كان يريد العودة للعالم السفلي بعد يوم عمل طويل، حيث كان ينتظره عمل مهم جدا.
دخلت زورا إلى المتجر بعد أن سمعت الجلبة، و إبتسمت بكل براءة في وجه أمير الظلام الطويل، بينما كانت أصابعها تعبث بتعويذتها السحرية.
" حسنا إذا"، عبس الشرير في وجهيهما و هو مفتون بجمال الفتاة، متشوقا أن يبدو رائعا في نظرها. " سأعطيك سبعة أيام أخرى مع والديك يا عزيزتي، بعدها لابد أن أعود لأطلبك عروسا لي"، قالها و إختفى في سحابة من الدخان.
فكر الصائغ في حيلة، فقرر أن يصنع دمية تشبه إبنته، و يخفي ماكينة بداخلها تجعلها تمشي و تتكلم مثل الإنسان الحي. أمضى أياما و ليال في صناعة تلك الدمية، وفي اليوم الذي كان من المفترض أن يأتي فيه الشرير، أخفى الدمية الجميلة المعطرة خلف ستارة حديدية في إنتظار الشرير. عندما ظهر الأمير الشيطاني كان عصبي المزاج. قال: " فلتأت بها الآن أيها الرجل العجوز، أعطني إبنتك و إلا سوف أرسل بعض وحوشي ليحرقوا هذا المكان عن آخره".
شاخصا ناحية الستارة، قال الصائغ: " تعالي يا زورا، هذا هو إبليس أمير الظلام، جاء ليأخذك لمملكة العالم السفلي، هلمي، إذهبي معه بأقصى سرعة."
إنفرجت الستارة و أتت الدمية من ورائها محركة رموشها بصورة مثيرة، أخذها الشرير و حملها إلى أسفل، و عندما وصل إلى عالمه وضع إبليس المخدوع عروسه على عرش رائع، مزين بجواهر خلابة، فقد كان متشوقا ليريها مملكة النار.
في تلك الليلة و في إطار الإحتفال بالعروس الجديدة، أقام أمير الظلام مأدبة على شرفها. كان على الخدم أن يجلسوا زورا الجميلة على يمين أمير الظلام في صالة الطعام الرائعة في قصر اللهيب الأبدي. قدم النبيذ في كؤوس براقة لإبليس، الذي كان في غاية السعادة لأن العروس تدير رأسها نحوه و تبتسم له مبدية إعجابها بكل كلمة يتفوه بها. وضع الخدم الكثير من الفحم على النار . صب النبيذ و أحضر الطعام، كان أمير الظلام يشعر بإرتياح و هو متشوق لما هو آت.
فجأة بدأت الدمية الجميلة بالذوبان. كلما وضع الوحوش الزيت على اللهب، مالت العروس للأمام... ثم سقطت في النار، و في ثوان إلتهمتها النار و لم يبقى لها أثر. وقفت الوحوش مذهولة، كيف لهم أن يخبروا سيدهم بما حدث؟ كيف سيتقبل الخسارة؟ و ما العقاب الذي سينالونه جزاء إهمالهم؟ مال كل منهم على شوكته و عيونهم تكاد تخرج من رؤوسهم، و حوافرهم ساخنة، و ذيولهم ترتعش من التوتر و القلق. كان أمير الظلام يشرب و يأكل و يتبادل النكات مع ضيوفه المختارين لتلك المأدبة و لم يلحظ شيئا.
أخيرا، ذهب أحد الوحوش، الذي كان أشجعهم، و همس في أذن سيده اليسرى." ماذا؟"، صرخ أمير الظلام " سقطت في النار و إحترقت؟".
كان الغضب يعتريه بشدة، لكنه في نهاية المطاف أدرك أن البشر لا فائدة منهم و أنهم فانون ، و كونه إبليس يظن نفسه أرقى من البشر ما كان يجب عليه أن ينحذر إلى هذا المستوى و يتزوج من بشرية ، و هكذا لم يعد أمير الظلام يفكر في زورا إبنة الصائغ مرة أخرى، و بذلك يكون الصائغ قد تمكن من إنقاذ إبنته من براثن أمير الظلام الشرير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق