آخر المواضيع

الثلاثاء، 15 يونيو 2021

مختطف الفتيات


مختطف الفتيات

 

 

في الحادي و الثلاثين من شهر أيار مايو عام 1985 كانت شمس الظهيرة تشع فوق مدينة كالفورنيا و تكوي مدينة لكسنتون بحرارته، كانت شيري سميث تستريح قرب حمام السباحة مع صديقها و زملائها في الثانوية ثم عادت إلى منزلها، كانت تحلم بالفرصة الآتية بعد إمتحاناتها النهائية و تخرجها و كان الصيف و حياة بكاملها بإنتظار الشابة البالغة من العمر سبعة عشر ربيعا ، عاشت مع عائلتها وسط مجتمع مدني هادئ في مكان آمن يقع في طرف المدينة حيث كان منزل آل سميث يقع وسط غابة كثيفة  من الأشجار و يبعد حوالي 100 متر عن الطريق العام ، "روبرث سميث" والد شيري كان قسا في الكنيسة المحلية و في عصر ذلك اليوم كان يعمل في منزله في المكتب الواقع في الطابق الثاني ، نظر من مكتبه فرأى سيارة إبنته تدخل في الطريق الخاص و تتوقف لتأخذ البريد. في اللحظات التالية تغيرت الحياة في لكسنتون في جنوب كاليفورنيا إلى الأبد ، توقع أن تدخل شيري إلى المنزل فنظر مرة أخرى من النافذة لاحظ أن سيارتها بقيت قرب علبة البريد لكنه لم يراها فشعر بأمر غريب فقرر إلقاء نظرة ، كانت شيري مصابة بداء السكري و مع تغير معدل السكري في دمها قد تفقد حس الإتجاه أو القدرة على الحركة ، عندما وصل إلى أسفل الطريق وجد محرك السيارة يعمل و الباب مفتوحا لكن إبنته لم تكن موجودة ، ناداها فلم يلقى جوابا ، شعر بالقلق عندما تخيل ما يمكن قد حدث ، أخذت الشكوك تساوره هل يمكن أن تكون ملقاة في الغابة فاقدة وعيها أو في حالة صدمة ، صرخ بأعلى صوته  بينما إزداد قلقه و حيرته ، لم يجد لها أثرا في أي مكان ، كانت شيري قد إختفت ، في الحال طلب السيد سميث المساعدة فاستجاب لندائه العمدة المعاون في المنطقة أخبره الوالد المضطرب أن شيري لم تكن من الفتيات اللواتي يهربن من البيت  فقد كانت مسؤولة  وواعية و متأقلمة مع محيطها ، لم تكن من المراهقات اللواتي يهربن من المنازل ، لكن العمدة لم يأخذ الأمور ببساطة ، إستجوب  الأب حول علاقته بإبنته. اليوم بعد مرور أكثر من عشر سنوات تذكر العمدة المعاون "لويس ماكارث" بوضوح إنطباعه عن آل سميث في أول حادث له مع والد شيري، لقد تكلمنا عن علامات إبنته في المدرسة  و عن شخصيتها فلم يكن هنالك أية خلافات بين الوالدين و إبنتهما ، كانت العائلة متضامنة و متحابة كما كانت عائلة متدينة جدا، ثمة ما يؤكد لك علاقتهم الوثيقة فيما بينهم ، و كذلك هناك ما يثبث أن هذه الفتاة لم تخطط كي تهرب من المنزل بكل بساطة ، كان العمدة يشعر بأن مكروها قد حل بشيري سميث و هذا الشعور أيضا جعله يعتقد أن ما حصل لها لا علاقة له بوضعها الصحي ، كانت كل دقيقة تمر تزيد من إمكانية عدم العثور على شيري و مع إدراكه لخطورة الأمر طلب العمدة الدعم بعد إنقضاء مهلة الساعات الأربع و العشرين المطلوبة للإعلان عن فقدان الشخص الضائع ، بإنتظار وصول عناصر الدعم قام العمدة و روبرث سميث بإعادة رسم خطوات شيري بحذر حتى لا يدمرا أية أدلة موجودة ، لكن البحث بالعين المجردة لم يعطي نتيجة، كان عليهما إنتظار المزيد من المعدات و الخبراء و في غضون دقائق وصل رجال الشرطة من وحدة الدعم في جنوب كاليفورنيا  إلى منزل آل سميث فتشوا ساحة الجريمة بعناية بحثا عن آثار دواليب و أقدام و بصمات لكنهم لم يجدوا شيئا ، مدركين أهمية الساعات القليلة المقبلة حيث جمعت السلطات وحدة دعم خاصة و نظمت عملية بحث كبيرة ، كان إحتمال الخطف يتطلب إستجابة سريعة فالجرائم المماثلة لم تكن تقع في تلك المنطقة ، أرسلت المناطق المجاورة كل شرطي متوافر للمساعدة ، إنتشرت أخبار إختفاء شيري بسرعة في مجتمع مدينة لكسنتون الصغير، تقدم مئات السكان للمشاركة في عملية  البحث ، لكنهم لم يجدوا أثرا للفتاة برغم غياب الأدلة المباشرة على إرتكاب جريمة فدرالية إلا أن المحققين في الولاية طلبوا مساعدة FBI ، أرادوا أن يشرف مكتب التحقيقات الفدرالية على عملية البحث بشكل  غير رسمي و يساعد في التحقيق ، أرسل التحري "جون فولمر" من مكتب FBI في كولومبيا إلى منزل آل سميث في الصباح التالي ، كان إختفاء الفتاة قد أربك المحققين المختصين ، حيث أنهم لم يتمكنوا من العثور على شيري في أي مكان و لم تكن حياتها العائلية تشير إلى إمكانية هروبها من المنزل ، فقد كانت تعيش حياة مستقرة جدا مما دفعهم إلى أن يكونوا متأكدين جدا من أن مكروها قد حدث لها ، لكننا كنا نجهل تماما ما الذي حصل ، إستمرت عملية البحث بشكل طويل و كان مئات المتطوعين و الشرطيين يعملون على مدار الساعة، كانت مهمة محبطة و ضاعف الحر و وسع المنطقة من قساوة البحث. إن التفتيش في منطقة من 500 ميل مربع يشبه التفتيش عن إبرة في كومة قش ذلك أمر شاق لأنك لا تعرف من أين تبدأ و لا أين تذهب، مضى يومان طويلان على البحث الشاق عن شيري و لكن لم يظهر أي شيء و بدا إحتمال كونها مخطوفة يزداد، ذعر سكان لكسنتون من فكرة وقوع جريمة مماثلة في منطقتهم فما عاد أحد يخرج من منزله وحيدا، كان الأولاد دائما بصحبة أهلهم و سيطر القلق و مع إنقضاء كل ساعة كان المحققون يأملون ألا تتعرض شيري للخطر. في الثالث من شهر حزيران يونيو بعد مرور ثلاثة أيام على إختفاء شيري و قرابة الثانية و النصف فجرا أيقظ إتصال هاتفي آل سميث ، رد روبرث على الهاتف فطلب رجل لم يتعرف على صوته التكلم مع زوجته هيلدا إدعى المتصل أنه خاطف شيري، إعتذر عن خطف شيري و أكد أنه سيعيدها في النهاية حيث أوضح أنه لا يتصل ليطلب فدية و أخبر هيلدا أنها ستتلقى رسالة في البريد في ذلك اليوم ووعدها بمعاودة الإتصال و أقفل الخط بالرغم من أن خط الهاتف كان مراقبا إلا أن الإتصال كان قصيرا و لم يتمكنوا من تتبعه ، إتصل شرطي فرقة سلايد الذين كانوا في منزل آل سميث بالتحري مباشرة ، غير أنه لم يتضح لهم إذا كانت حية أم ميتة  فقد أشار المتصل على أنها حية و أنه سوف يعيدها إلى أهلها سالمة و في الواقع كان الجميع يأملون أن يكون صادقا و أن تكون شيري مازالت على قيد الحياة و أن ترجع إلى منزلها و عائلتها.

كان وصول الرسالة فرصة ينتظرها المحققون الذين أملوا أن يجدوا فيها خيطا يقودهم إلى مكان المختطف ، لكن كان عليهم أولا معرفة إذا كانت الرسالة التي وعد بها المتصل موجودة حقا حرصا على عدم إضاعة الوقت، أيقظوا مدير مكتب البريد في المدينة و طلبوا منه فتح مكتب البريد قبل بزوغ الفجر ثم بدأوا يطلعون على الرسائل واحدة بعد الأخرى وسط رزم البريد المكدسة ، بعد نصف ساعة عثر مدير مكتب البريد على مكتوب مرسل إلى آل سميث وضعوه بحذر في كيس خاص للأدلة و أرسلوه إلى المختبرات الشرعية لإجراء الفحوص عليه ، داخل الظرف وجد المحققون رسالة من صفحتين كتبت على ورق أصفر ، تحولت حماستهم إلى رعب عندما بدأوا قراءة الرسالة، كانت تحمل عنوان الوصية الأخيرة و بدأت بالكلمات التالية:"أحبك يا والدتي و يا والدي ،أحب روبرث و دون و ريتشارد ، أحب الجميع ، كل أصدقائي و أقربائي ، أفكاري ستبقى معكم دائما التابوت مغلق أعتذر إذا كنت قد خيبت آمالكم بأي شكل أردت فقط أن أجعلكم تفتخرون بي كما كنت دائما أفتخر بعائلتي وإنتهت الرسالة بكلمات حبي لكم إلى الأبد و التوقيع شارون شيري سميث ، بمساعدة عائلة سميث تأكد المحققون من خط يد شيري و بدأوا بمهمة تحليل الرسالة ، كان البحث عن بصمات و شعر و أنسجة و أدلة أخرى يتطلب أسابيع من العمل ، بينما أمل المحققون أن تعطيهم الرسالة أدلة أخرى أثار محتواها قلقهم ، فلقد صدم المحققون و قلقوا جدا عن سلامة الفتاة ، حيث كانت الرسالة تحوي عدة جمل كتبتها كجملة التابوت مغلق التي أثارت حيرتهم و تساءلوا لما قد تكتب فتاة عاقلة بسنها جملة مماثلة،كان مصير شيري غامضا و الخاطف وحده من يملك الأجوبة كلها و قد وعد بمعاودة الإتصال بعائلتها بإنتظار ذلك الإتصال تعلقت العائلة بخيط من الأمل ، بعد أيام على إختفاء شيري كان خاطفها قد إتصل ليعطي للعائلة أملا بعودة إبنتهم ، منذ ذلك الحين وضع المحققون مسجلا آخر إضافة إلى آلة التعقب على هاتف آل سميث فتسجيل صوت المجرم قد يكون مهما جدا و إذا عاود الإتصال سيكونون بإنتظاره لكن الإنتظار صعب ، في الساعة الثامنة مساء الثالث من حزيران يونيو رن جرس الهاتف عند آل سميث كان الرجل نفسه و تكلم إلى هيلدا ، نجحت عملية تقفي أثر الإتصال لقد إتصل المشتبه به من غرفة هاتف تبعد حوالي عشرين ميلا عن منزل آل سميث، سارع فريق من الشرطيين إلى مسرح الجريمة آملين إلقاء القبض على الخاطف الذي كان لا يزال على الهاتف ، لكن عندما وصلوا لم يجدوا سوى سماعة الهاتف المتدلية ، كان المجرم قد هرب و لم يترك وراءه شيئا و لا حتى بصمات أصابعه ، اليوم و بعد مرور عدة أعوام تستعيد شقيقة شيري ذكرياتها بأسى حيث قالت:" لم أفهم حقا ما الذي كان يجري، لم أعي أنه رجل كان يعاني من أمراض نفسية فلم يسبق لي أن تعاملت مع شخص مثله في حياتي، لكنني إعتقدت حقا أنه كان يعتني بها و أنه لابد من سبب وجيه لإختطاف شقيقتي". إن مكالمات الخاطف الهاتفية لم تزود المحققين بأية معلومات حول حالة شيري أو مكانها لكنها سمحت للأف ب أي بالتعرف قليلا إلى شخصية هذا الرجل و أفكاره المنحرفة ، و أضحت مهمة الإختصاصيين الدخول إلى عقل هذا المجرم لمحاولة التنبؤ بتصرفاته القادمة ، كان" جون دوغلاس" رائدا بوضع نقاط تشير إلى شخصية و تصرفات المجرميين المحتملة و قد قام مع غيره من المحققين بتطوير أدوات التحقيق خلال خمس و عشرين سنة من إستجواب المجرمين و المغتصبين و المفجرين و مفتعلي الحرائق ، حيث يقول الخبير:" عندما يطلب منا أحدهم وضع ملامح المجرم فإنهم يسعون إلى معرفة التصرفات و الميزات الخاصة بشخصيته كتحديد الجنس و العمر و العرق و أحيانا لتحديد الملامح الخارجية و مستواه العلمي".لمعرفة هذه الميزات يحاول الإختصاصيون أن يفكروا كما يفكر المجرم و أن يتوقعوا تصرفاته و يكتشفوا دوافعه حيث يساعد تفحص جميع جوانب الجريمة على رسم لمحة عن شخصية المجرم و في النتيجة يحصلون على بيان يحتوي نقاطا محتملة في شخصية المجرم و تفكيره ، بعد تبيان جميع تفاصيل جريمة إختفاء شيري جمع "دوغلاس" إثنين و عشرين صفة في شخصية المجرم ، كان يرى الخاطف رجلا أبيض في أواخر العشرينيات من عمره يتمتع بدهاء كبير و ذكاء خارق ، إنه على الأرجح عامل بسيط و بما أنه قام بتغيير صوته فإنه قد يكون متعهد كهرباء ، و كما إقترح "دوغلاس" يملك سجلا إجراميا و يعيش في الجوار، أشارت لهجته و مضمون إتصالاته الهاتفية إلى أنه رجل غير إجتماعي مهووس و مكروه فمع إزدياد ضغوطات الحياة اليومية ينهار كليا و يشعر بأنه عليه تعويض فشله بأعمال عنيفة ، يقول المختص:" هذا الرجل يشعر كما لو أنه حبة رمل صغيرة على شاطئ يحوي على ملايين من حبات الرمل، يشعر بأنه نكرة لا يساوي شيئا كما أنه على الأرجح رجل سمين لا يحترم نفسه و يفتقر إلى الجاذبية و يسعى على أن يكون موضع إهتمام، لهذا يلاحق ضحايا يستحيل عليه أن يصل إليها في حياته العادية كشيري و هكذا و لأول مرة يمكنه أن يشعر بأنه شخص مسيطر و قوي جدا".

يوم الأربعاء من شهر حزيران يونيو تلقى آل سميث إتصالا آخر، هذه المرة أعطى العائلة تعليمات حول مكان وجود شيري، هرع المحققون إلى المكان آملين العثور على شيري حية ، بعد ستة أيام على إختفائها الغامض عثر المحققون على جثة شيري سميث ،يقول أحد المحققين في القضية:" عندما تلقت العائلة سميث الإتصال توجهنا مباشرة إلى الموقع المعين و تحققت أسوء مخاوفنا في ذلك المكان". كانت جثة شيري سميث ممدة في الغابة على بعد حوالي سبعة عشر ميلا من المنزل الذي إختفت من أمامه ، أصبح خاطفها مطلوبا بجريمة من الدرجة الأولى ، كان أسبوعا حارا في منطقة لكسنتون و ساعدت الحرارة المرتفعة على تفتت و إهتراء الجثة مما أعطى المجرم فرصة جديدة إذ لم يتمكن الطبيب الشرعي من تحديد ساعة و سبب الوفاة المباشرة، بالنسبة إلى جون دوغلاس أعطى موقع الجريمة و ظروفها مزيدا من المعلومات حول تفكير المجرم ، يقول المختص:" في الواقع أستطيع التأكيد على أنه كان يملك عقلا إجراميا فقد إنتظر أن تتحلل الجثة و تفسد حتى يسلمها و هكذا سيكون صعبا على السلطة تحديد سبب و طريقة الوفاة في هذه الحالة". أصيب مجتمع مدينة لكسنتون بالصدمة عندما تأكد خبر وفاة شيري سميث ، في اليوم المحدد لمراسم الجنازة إحتشد جمع من ألف معز ،في ذلك المساء بعد جنازة شيري صمم القاتل على زيادة مصائب العائلة و عذابها، رن جرس الهاتف فردت" بيفرلي" عمة شيري ، ماطلت" بيفرلي" أملا منها لربح مزيد من الوقت لتعقب المكالمة لكن القاتل هددهم بقطع الإتصال إذا لم يتكلم مباشرة مع "دون"، أصرت والدة شيري على التكلم مع قاتل إبنتها بينما كان الحزن يعتصر قلبها، لم يغب عن بال FBI و المحققين المحليين أن القاتل إستعمل إسم  "دون " سهوا عندما تكلم عن شيري، بدأ المحققون يخشون أن يتحول إنتباه القاتل إلى "دون" ، قام بإتصال هاتفي واحد قبل أن يصمت مدة طويلة ، برغم ذلك أدرك الجميع أنه مازال في الخارج حرا طليقا يجوب الطرقات و يرعب المنطقة و كانت ملامح شخصيته تشير إلى أنه قد يقتل مرة أخرى ، في حزيران يونيو من عام 1985 تابع محققوا الأف ب أي مطاردة خاطف  و قاتل شيري سميث إبنة السبعة عشر ربيعا و بينما كان المحققون يهتمون بالجريمة تابع المجرم تنفيذ مخططاته الأخرى ، يوم الجمعة في الرابعة عشر من يونيو حزيران بعد أسبوعين على إختطاف شيري قام أحدهم بخطف "ديبرا ماي هيلمك" من أمام منزلها في منطقة ميتشلند عندما كانت تلعب مع شقيقها ، كانت ديبرا في التاسعة من عمرها و قد لفت صراخ الطفلة إنتباه جارتها لكنها لم تسرع كفاية فقد تمكن الخاطف من الهروب في وضح النهار غير أن الجارة تمكنت من تأمين بعض المعلومات العامة إلا أن ما ذكرته حول عملية الخطف و المشتبه به كان يتطابق مع مواصفات الرجل المطلوب لدى الأف ب أي بجريمة قتل شيري سميث و في الحال إتصل عمدة ميتشلند بقوى الدعم في منطقة لكسنتون المجاورة ،يقول أحد المحققين:" إنتشر الخبر بعض لحظات قليلة على عملية الخطف و بدأنا نركز إهتمامنا على هذه القضية الجديدة أيضا ، كان الجميع يدركون في قرارة أنفسهم أن هاتين القضيتين مترابطتان". بالنسبة إلى جون دوغلاس أصبحت القضية طارئة فقد بدا مصير ديبرا محتما حيث يقول:"ما إن يبدأ المجرم بتحقيق أهوائه حتى يتابع البحث عن الضحية التالية و إذا لم يجد وفق مبتغاه فإنه يخطف الضحية التي يجدها". أخبار عملية الخطف الثانية دفعت دوغلاس للمجيء من كوانتكوفرجينيا إلى جنوب كاليفورنيا.

كانت FBI تأمل العثور على ديبرا حية قبل أن يقتلها المجرم الدليل المهم في قضية مقتل شيري سميث كانت إتصالات القاتل الهاتفية ، مضى حوالي أسبوع منذ إختفاء ديبرا و لم يتصل الخاطف بعد ، وضع دوغلاس خطة تدفعه للإتصال و بمساعدة الصحافة المحلية نصب له فخا ، كانت الخطة التي وضعها سوف تعرض حياة "دون سميث" للخطر حيث طلب دوغلاس من آل سميث تقديم إبنتهم ككبش محرقة للمساعدة في إلقاء القبض على قاتل شيري و العثور على ديبرا ، وافقت "دون سميث" على ذلك من دون تردد ، تقول أخت شيري:" غالبا ما ظن الناس أننا أنا و شيري توأمان، لذا وضعوا خطة للإيقاع بالمجرم فإذا أجبته على الهاتف قد ينقل إفتتانه من شيري إلي، و إذا جعلته يتكلم على الهاتف لفترة أطول من الزمن عندها قد يتمكن المحققون من تتبع الإتصال و إلقاء القبض عليه".

كانت خطة دوغلاس تقضي بإقامة مراسم تذكار لشيري ، نشر المحققون الخبر في الصحافة المحلية آملين أن يستيقظ شعور القاتل من جديد و يتوجه هذه المرة نحو "دون" ، كان دوغلاس بحاجة إلى طعم يضعه في الفخ فأخذ أحد أغراض شيري الشخصية و بناءا على خبرته أدرك دوغلاس أن مقترفي الجرائم الجنسية ينجذبون إلى أغراض شخصية تخص ضحيتهم التي يريدون الحصول عليها ليحتفظوا بها و يعرضوها كجوائز يفتخرون بها، أثناء بحثه في الغرفة رأى دوغلاس دب الكوالا و كان رمزا للجامعة التي أرادت شيري الدخول إليها في الخريف، في اليوم المحدد إنتشر رجال FBI المتنكرون في كل مكان آملين أن يزور المجرم قبر ضحيته و أثناء التأبين كانت "دون" ملتصقة بأهلها برغم من أنها تطوعت بملئ إرادتها لجر القاتل إلى الفخ كانت هذه المجازفة تثقل أذهان الجميع لا أحد يعرف ما قد يفعل المجرم ، يقول أحد المحققين:" شددت الحراسة حول "دون" و كنا قلقين جدا من إمكانية تعرضها للخطف و تحولها إلى ضحية جديدة". بعد ذلك كما كان مخططا له وضعت" دون" دب الكوالا على قبر شيري و الآن عليهم الإنتظار، لجأت FBI إلى الوصف الذي وصفه الخبراء عن شخصية المجرم لإرشاد "دون" حول كيفية التكلم معه عندما يتصل ،تقول "دون" شقيقة شيري:" علموني أن لا أتكلم معه بلهجة التهديد و بقساوة و أن أكون لطيفة و متعاطفة معه ، هذا ما جرى و أعتقد أنه إرتاح بالتكلم معي لأنه شعر بأنه يتحكم بالأمور و هذا على الأرجح ما كان يسعى لتحقيقه". بعد المراسم التأبينية تلقى آل سميث عدة إتصالات و كانت "دون" ترد عليها جميعها بإنتظار إتصال القاتل، بعد منتصف الليل بقليل رن جرس الهاتف بمنزل آل سميث من جديد كما توقع دوغلاس علق المجرم في الفخ و تحول إنتباه القاتل إلى "دون" أوضح لها أنها ستكون ضحيته التالية ، برغم التهديدات التي تلقتها أبقته "دون" على الخط حيث تحملت قساوة الرجل الذي قتل شقيقتها بينما كان الشرطيون يتعقبون مصدر الإتصال ثم قبل إقفال الخط أعطاها القاتل بعض التعليمات و الإرشادات، كان التحري جون فولمر يخشى أن لا يتوقف القاتل عند هذا الحد حيث يقول:" في الحقيقة ، عندما إتصل بنا ليخبرنا بمكان" ديبرا ماي هيلمك" أدركنا أننا نتعامل مع قاتل تسلسلي قد يكون قتل عدة أشخاص من قبل إضافة إلى ضحيتين، الآن قد يتابع قتل غيرهما". برغم نجاح دوغلاس بدفع المشتبه للإتصال لم يتوقع أحد الحد الذي وصل إليه القاتل ليتجنب إكتشافه، كانت عملية تعقب الإتصال الوارد من خارج المنطقة تتطلب وقتا إضافيا و من جديد أقفل المجرم الخط قبل أن تتمكن السلطات من تحديد مكانه ، يقول أحد المحققين:" لقد كدنا نحدد مكانه عدة مرات و كما لو أنه شعر بهذا و بدأ يبتعد و يتصل من مناطق نائية". إتبع رجال FBI إرشادات المتصل و عندما وصلوا إلى المكان المعين وجدوا "ديبرا هيلميك" ذات الأعوام التسعة جثة هامدة ملقاة على الأرض ، لقد خسروا التحدي و مع ضياع الفرص تضاعف إحتمال وقوع ضحايا أخرى و كانت" دون" في الواجهة ، خشي المحققون أن يقوم القاتل بمحاولة خطفها كان القاتل قد قتل فتاتين من منطقة لكسنتون جنوبي كاليفورنيا و لم يكن لدى FBI و السلطات المحلية سوى أدلة قليلة فشعر الجميع بالإحباط لكن التحاليل و الإختبارات أظهرت أهم دليل في عملية التحقيق ، باللجوء إلى المكشاف الإلكتروستاتي كانت هيلث تأمل العثور على أدلة قاطعة فهذه الأجهزة المتطورة تظهر صورا و علامات لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة ، تعمل هذه المعدات وفق مبدأ يتناقض مع طباعة الصحف العادية ، بدل تغطية الأحرف الظاهرة بالحبر لإظهارها تقوم هذه الآلة بتعبئة الفراغ الموجود على الورقة و عندما يوضع فيلم لإظهار الصورة فوق الورقة  تظهر صورة واضحة، بعد ساعات من تصفح الرسالة تمكنت هيلث من إظهار أحرف في الفراغ الذي كان، و بدا أنها عثرت على رقم هاتف و إسم شخص حيث تقول:" من خلال الإسم و رقم الهاتف تمكنا من إكتشاف رمز المنطقة و أول ثلاثة أرقام و بعد أن تأكدنا من تلك الأرقام تمكنا من إكتشاف الرقم الرابع". كان إسم "جو" موجودا على الورقة و من خلال رمز المنطقة إكتشف المحققون أن الرقم موجود في ولاية ألاباما و لمعرفة الرقم الناقص إتصل المحققون بكل الأرقام المحتملة إلى أن وصلوا إلى رقم شخص يحمل الإسم الموجود على ورقة الرسالة ، أخيرا تمكنوا من مطابقة الأسماء كان الرقم يعود إلى رجل يدعى "جو شابر" و قام المحققون من مراقبة سجل هاتفه وجدوا أنه تلقى إتصالا من خارج لكسنتون في ولاية موراي جنوبي كاليفورنيا و هذه العناوين قد تقودهم إلى القاتل ، إستنادا إلى المواصفات التي وضعها خبراء FBI زارت الشرطة المحلية صاحب هذا العنوان في ألاباما قابلوا "جو شابر" و لم تتطابق شخصيته مع شخصية القاتل التي رسمتها FBI برغم أنه لم يكن مشتبها به فقد يرشدهم إلى القاتل ، بقي على الشرطة أن تجد العلاقة بينه و بين الإتصال الوارد من ليكموراي جنوبي كاليفورنيا أخبرهم شابر أنه وارد من منزل والديه ، عرف شرطيوا جنوب كاليفورنيا أن العنوان يعود إلى أهل جو شابر إيليس و شارون شابر فتوجهوا إلى العنوان لإستجواب سكان البيت ، كان المنزل يبعد ميلين عن المكان الذي وجدت فيه الشرطة جثة ديبرا هيلمك إبنة الأعوام التسعة عرفوا أيضا أن إيليس كان يعمل في الورش الكهربائية  و هذه المهنة تتطابق مع ما توقعته FBI، بينما قرع الشرطي الباب توقفت سيارة في المدخل عندما رأى الشرطيان آل شابر شعرا حالا بأنهما وصلا إلى طريق مسدود لم يكن ثمة ما يتطابق مع الوصف الموجود لدى  FBIسوى مهنة إيليس لكنهما تابعا الإستجواب قالا آل شابر أنهما عادا مؤخرا من رحلة دامت ستة أسابيع سؤلا إذا كانا على علم بقضية مقتل الفتاتين شيري و ديبرا ، مع طرح الأسئلة لاحظ الشرطيان أن السيدة شابر كانت تزداد توترا بدأ آل شابر يشكان بالرجل الذي كان يعتني بمنزلهما لاري جين بيل أطلعاهما على مواصفات بيل و تطابقت مع المواصفات التي وضعها خبراء FBI كان رجلا أبيض في الثلاثين من عمره يعيش مع أهله و كان أحيانا يساعد إيليس في أعمال المنزل ، قبل أيام قليلة عند عودة آل شابر من رحلتهما إصطحبهما بيل من المطار تكلم مطولا عن الجرائم التي حصلت و بدا أنه كان يتابع أخبارها عن كثب كان هذا دليلا إضافيا على عقله الماكر و تصرفاته ، يقول أحد المحققين:" أخبرونا أنه كان يحتفظ بمقالات الجرائد و قد أخبرهم بجميع تفاصيل القضية على الطريق من المطار إلى بيتهم ، بدأنا نشعر بأننا سنلقي القبض على المجرم". طلب المحققان رؤية المنزل و سألا إيليس شابر إذا كان بيل يملك مسدسا إذ لا شك في أنه هدد الضحية و أجبرها على دخول السيارة عنوة قادهما شابر إلى الجارور الذي كان يضع فيه مسدسه لكنه تفاجأ بإختفاءه ، طلب الشرطيان من الزوجين مرافقتهما إلى دائرة الشرطة و ذلك ليستمع آل شابر إلى صوت القاتل الذي سجل عند إتصاله بآل سميث ، كانت الشرطة بحاجة إلى التأكد من أن الصوت المسجل يعود إلى بيل، بالرغم من أن المتصل قد يكون غير صوته إلكترونيا كان آل شابر متأكدين أن صوت الرجل يعود إلى لاري بيل، يقول أحد المحققين:" لقد كنا نشعر بالضياع  لم نظهر أية مشاعر لكننا أدركنا أننا كنا نقترب من إلقاء القبض على القاتل، لقد إقتربنا منه". أطلع آل شابر المحققين أن بيل سيعود في صباح التالي عند السابعة و النصف إلى منزلهما ليعمل ، بدأوا يستعدون للقبض عليه و هذه المرة لم يكن ليتمكن من الهرب في الصباح التالي قاد بيل سيارته على الطريق العام متوجها نحو منزل آل شابر لم يرى سيارة الشرطة التي كانت تتعقبه إتصل ضابط الشرطة لاسلكيا بسيارة أخرى لتقطع عليه الطريق عند التقاطع ، في السادس و العشرين من حزيران يونيو عام 1985 عند السابعة و الثلث صباحا ألقي القبض على بيل بعد مطاردة طويلة هذه المرة سبقوه بخطوة و تم إعتقاله من دون مقاومة و إصطحبوه إلى دائرة الشرطة لإستجوابه ، بعد أن أصبح بيل رهن الإعتقال بقي على المحققين أن يقدموا قضية محكمة للتأكد من أنه لن يفلت من قبضة العدالة ، جمعوا الأدلة الشرعية الحسية مع اللمحة التي وضعتها الأف ب أي عن شخصيته و قامت شرطة جنوب كاليفورنيا بإعتقال لاري جين بيل بتهمة الخطف و القتل عمدا و أصبح عليهم أن يثبثوا أنه كان حقا قاتل شيري سميث و ديبرا هيلمك ، تولى القضية المحامي التابع لمنطقة لكسنتون دونالد مايرز و كان مصمما على إدانة القاتل الذي هدم حياة عائلة ضحيته حيث يقول:" كنت أبغض لاري جين بيل قبل أن أتعرف إليه ، و أدركت أن هذه القضية قد حظيت بدعاية كبيرة في جنوب كاليفورنيا و هي فريدة من نوعها حتى اليوم ، لقد صممت أن ألاحقه قانونيا بكل ما توافر لدي من قوة". برغم وجود أدلة ضد بيل إلا أنها كانت ظرفية لكن في ولاية كاليفورنيا يحصل المجرم على أقصى عقوبة إذا إعترف بإرتكاب الجريمة ، صمم مايرز أن يحصل على إعتراف من بيل ليحرص على أن لا يقتل أي شخص آخر بعد اليوم ، مجددا جرى إستدعاء الـ FBI للمساعدة حيث نصحهم الخبراء بتجهيز غرفة إستجواب تدفع المتهم للإعتراف بجريمته ، يقول أحد المحققين:" إقترحنا عليه مثلا وضع خريطة تظهر أماكن إجراء الإتصالات الهاتفية و بعض صور الضحايا و هكذا كلما ينظر في أرجاء الغرفة يتذكر الضحية ، قد نضع ربما بصمات الأصابع على الطاولة و دفاتر ملاحظات أو ملفات تحمل إسم المجرم و كل هذا ليشعر بأنه محاصر و أننا ألقينا القبض عليه و قد وجدنا أدلة قاطعة لإدانته و قد يستسلم في النهاية".

بينما تحضر الشرطيون لإستجواب بيل سعى التحريون الآخرون لتأمين مذكرات تفتيش لمنزل شابر، خلال الساعات القادمة بحث فريق الخبراء في كل أنحاء المنزل بحثا عن أي شيء قد يربط بيل بالجرائم ، كما رسم الخبراء في اللمحة عن شخصية القاتل كان منزله مرتبا و منظفا بعناية و دقة خصوصا في الغرفة التي كان ينام فيها لاري جين بيل، لكن وراء الترتيب الخارجي عثر الفريق على أدلة حاسمة  وجدوا فراشا رقيقا بين شراشف السرير و تحته مجلة صور إباحية و مسدس يتطابق مع المسدس الذي فقده السيد شابر ، برغم من أن السجادة كانت نظيفة عثر أحد المحققين على شعرة شقراء في مكان ضيق تعجز المكنسة الكهربائية عن الوصول إليه و عند فحصها تبين أنها تعود لشيري سميث ، بينما تابع المحققون البحث عن الأدلة في منزل آل شابر نفذ المحققون في جلسة الإستجواب إستراتيجية FBI ، أولا حرصوا على أن يكون بيل مرتاحا و كما نصحهم دوغلاس تكلموا معه بطريقة لا تشعره بأنه مهدد إدعوا أنهم يتضامنون معه و يتعاطفون مع وضعه في محاولة لدفعه إلى الإنفتاح  عليهم ومصارحتهم ، إقتادوا المجرم إلى السجن تدريجيا و كانوا يذكرونه بالضحايا كلما تسنى لهم ذلك، أنكر بيل كل شيء إلا أنه طلب أمرا غريبا أراد مقابلة دون و هيلدا سميث ، وافق آل سميث راجين ان تتمكن الأم و الشقيقة من الحصول على إعتراف بيل ، حاولت هيلدا و دون أن تتحضرا نفسيا للقاء ، أخيرا دخلتا الغرفة لمواجهة قاتل شيري حيث تقول دون شقيقة شيري:" و بدأ يتمتم و يتلعثم، أخبرنا عن مدى أسفه الشديد و أنه لا يمكن أن يكون إقترف هذه الجرائم بل إن شخصا آخر يدعى لاري بيل هو المجرم، لم يكن يتفوه بأمور منطقية و أذكر أنني كنت أجلس قربه وأصغي إليه و شعرت بالإشمئزاز من الرجل الذي قتل شقيقتي ، لم يكن رجلا يملك الشجاعة للإعتراف  بجريمته الشنعاء ، كان يحاول إختلاق الأعذار الواهية لكن أمي قالت له أمرا مذهلا قالت أعرف أنك أنت الرجل الذي قتل إبنتي و أقول لك بصدق أنني لا أكرهك و عندها إنهمرت دموعه". لكن إنهيار بيل العاطفي لم يدفعه للإعتراف بجريمته .

وقعت أحداث الجريمة عندما غادرت الموقف لحق بها و لم يتمكن من السيطرة على رغباته الجامحة فظل يراقبها، لم تلحظ شيري السيارة التي كانت تتبعها في الطريق ، دخلت باحة المنزل و توقفت لتأخذ البريد، أحضرها إلى منزل آل شابر عند بحيرة موراي بعد ذلك إتصل بأصدقائه ليلغي العشاء الذي كان مقررا و أخبرهم بأنه سوف يبقى في المنزل لمشاهدة مباراة كرة القدم ، في تلك الأثناء كان قد ربط شيري في السرير و أظهرت الأدلة أنها قد تعرضت للإغتصاب قبل أن يقتلها ، أجبر بيل شيري على كتابة وصيتها الأخيرة رأى المحققون أنها توفيت عند الساعة الخامسة الإ دقيقتين فجرا ، في أقل من ساعة أعلنت لجنة المحلفين أن بيل مذنب بجريمة من الدرجة الأولى لاحقه مايرز في محاكمة منفصلة بجرم قتل ديبرا هيلمك إبنة الأعوام التسعة ووجد مذنبا للمرة الثانية بإذانة بيل أصبح بإمكان عائلة سميث بناء حياتها من جديد و أخيرا شعروا بالراحة بعدإدراكهم بأن قاتل إبنتهم بيل لن يتمكن من أذية شخص آخر و سوف يوضع في السجن ، و هكذا دفع لاري جين بيل ثمنا أكبر لجرائمه السادية ، في الرابع من أكتوبر تشرين الأول لعام 1996 أعدم على الكرسي الكهربائي في جنوب كارولاينا برغم من أن وفاة شيري سميث و ديبرا هيلمك ستبقى ذكرى مؤلمة إلا أن الحياة عادت تدريجيا إلى طبيعتها في لكسنتون ، بعزم و إصرار تمكنت سلطات جنوب كارولاينا بمؤازرة FBI  من وضع حد لجرائم عنيفة أحزنت المدينة و توقفت معها لعبة القط و الفأر.

في الحادي

هناك تعليقان (2):