يروى أنه كان هناك تاجر غني رزقه الله بولد، و بذل الرجل كل الجهد في تربيته تربية جيدة، و حين كبر الولد و صار شابا أصبح يلتف حوله الكثير من الأصدقاء، غير أن هؤلاء الرفاق كانوا يطمعون في ثروة أبيه الطائلة الذي سيرثها الشاب بعد وفاة والده العجوز، و كان والده دائم النصح له بأن يقلل من أصدقائه و أن يختار منهم الوفي و المخلص، و ما أقل الأوفياء و المخلصين في وقتنا هذا بل و ما أنذرهم، لكن الشاب الذي أطربه الكلام المعسول من ثناء و مديح لم يكن يأخذ بنصيحة أبيه بل كان يفعل العكس، فقد كان يظن بأن كثرة الأصدقاء دليل على حب الناس له و تكسبه مهابة و تجعله عظيما.
عندما أحس التاجر الثري بإقتراب أجله، نادى إبنه و قال له:" يا بني، لقد نصحتك كثيرا لكنك لم تستجب لنصائحي، و لن أكرر عليك القول بل كل ما أطلبه منك هو أن تدبر معي خطة و نجري تجربة لمعرفة من من أصدقائك المخلص و الوفي و بذلك ستعرف يا بني أنني لا أريد سوى الخير لك و أن أراك محاطا بالأصدقاء المخلصين" .
عندها وافق الشاب على الخطة حيث تضمنت الخطة جلب كبش و ذبحه و لفه بقماش و كان كل من يراه يظن بأنه إنسان ميت، و فعلا تمت الخطة على أكمل وجه و طلب التاجر من إبنه أن يدعى أمام أصدقائه حينما يجيؤن بأن هناك ضيف قدم عند والده و لكنه مات فجأة، و أن يطلب منهم مساعدته في دفنه في حديقة الدار و أن يسألهم الكتمان و عدم إخبار أي أحد بما حدث.
و حين جاء الأصدقاء و تناولوا العشاء و قضوا سهرة ممتعة، بدأ إبن التاجر في تنفيذ الخطة التي إتفق عليها مع والده و أخبر أصدقائه بأن هناك ضيف قدم عند أبيه لكنه مات و قد قام هو و والده بلفه بقطعة قماش و طلب من أصدقائه مساعدته في دفنه في حديقة الدار و أن يكتموا السر.
فكان للشاب ما أراد و قام أصدقاؤه بمساعدته، لكنهم و بمجرد أن غادروا حتى قال أحدهم:"لابد من أن نستغل هذه الفرصة و نذهب إلى السلطان و نخبره بما صنع رفيقنا الثري المدلل"، فرد عليه آخر:"نعم لابد من أن نلقنه درسا حتى يكف عن معاملتنا بتعالي و يتبجح بثرائه أمامنا".
كانت الغيرة الشديدة من الشاب الثري تدب في نفوس أصدقائه فقرروا أن يكيدوا له، و بذلك توجه مدعوا الرفقة الطيبة إلى السلطان و أخبروه بما فعله صديقهم و حددوا له مكان دفنه للجثة فأرسل السلطان جنوده و أمرهم أن يحفروا الحديقة و يخرجوا الجثة و يحضروا التاجر و إبنه إليه.
فتوجه الحراس إلى بيت التاجر و حفروا الحديقة و أخرجوا الجثة المزعومة و ألقوا القبض على التاجر و إبنه، و ما أن مثل التاجر و إبنه أمام السلطان أخبر السلطان بأن يأمر حراسه بالكشف عن ما بداخل القماش و بالفعل تم الكشف عليها فتبين أن ما كان داخل قطعة القماش لم يكن سوى كبش مذبوح، فأندهش السلطان مما رآه و سأل التاجر ما الحكاية، فأخبر التاجر السلطان بالقصة فضحك السلطان و أخبر التاجر بأنه رجل حكيم و أمر إبن التاجر بأن يستمع لكلام أبيه، و بهذا أدرك إبن التاجر أن والده كان على حق و أن عليه أن يرافق الصديق المخلص و الوفي و أن ليس كل من يسمعك الكلام المعسول صديق جيد فربما كان يخفى من وراء تملقه نوايا ليست طيبة فيمكر و يكيد لك دون علمك، لذلك وجب علينا أن نختار الرفقة الجيدة و أن نبتعد عن الصحبة السيئة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق