كانت والدتها سيدة عظيمة و لم يكن لديها الوقت لتلعب مع إبنتها، حيث كانت تحب زيارة ملكات البلاد المجاورة، فقد كانت دائمة الإنشغال بأمور إقتناء المجوهرات الجديدة و الحديث حول الفساتين الجديدة و لا أكثر من ذلك.
والدها من ناحية أخرى كان على عكس والدتها، فقد كان يلعب معها حيث أنه قام بتعليمها كيفية لعب لعبة الشطرنج، و لكنه عندما كان بعيدا لم يكن هناك من يلعب معها الشطرنج، حيث كان كل رجال البلاط يدعونه تفوز عليهم إحترام لها.
ذات يوم إرتدت الأميرة ملابس صبي و معطفا مبطنا و أخذت معها حصانها المفضل، و ذهبت للبحث عن والدها.
سارت في طريقها حتى وصلت إلى ضفة نهر ذو مياه بيضاء، كان التيار قويا لدرجة أخافتها، لكن الحصان الشجاع أحد خيول والدها في الحرب إندفع بجرأة و حملها للجانب الآخر، و هناك وجدت مخلوقا وحشيا له أسنان ضخمة و حادة مثل التمساح، و شعر إسود كثيف مثل فراء الدب.
"آدمي؟ قال الطائر الوحشي، قدم لي هذا المعروف و لك كل ما تتمنى".
"ماذا تريد؟ " سألت الأميرة بجرأة حتى لا يشعر هذا المخلوق بخوفها، و ترجلت عن حصانها ووقفت أمامه بشجاعة.
"إحمل هذه الرسالة إلى أخي الذي يعيش في القلعة هناك".
أمر الكائن الوحشي و هو يشير بإتجاه القلعة القابعة على قمة تل بعيد، و أضاف" سيمنحك ما تريد من أجلي".
" حسنا" أجابت الأميرة بالإيجاب:"أعطني الرسالة".
"عندما تصل إلى القلعة أخبر أخي أني قد حولت "الشاه نشاه" إلى حصاة، و أني أحتفظ بها في حافظتي و أني سأنصب نفسي شاها على إيران كلها بدلا منه، و سأدعوه إلى حفل تتويجي و جلوسي على العرش الذي سيكون في العاصمة أصفهان بعد ستة أيام، و سيقوم أخي بعد ذلك بمنحك ما تريد و الآن إعتلي حصانك و إنطلق".
إعتلت فيروز حصانها و بدأت طريقها نحو القلعة إلى حيث يوجد الكائن الوحشي الثاني و هي مذهولة و شاردة، لا تدري ماذا تفعل و كيف لها أن تنقذ والدها و هو الآن في حافظة الوحش الأول.
حاولت أن تفكر في خطة لكنها لم تفلح، و أسرع حصانها الشجاع في عدوه يسابق الريح و سرعان ما وصلا إلى بوابة القلعة الضخمة الحصينة.
"إفتح أيها الوحش"، صاحت الأميرة بينما كان الرعب يملأ قلبها "معي رسالة من أخيك الذي يقطن بجانب النهر الأبيض".
ففتح الباب في الحال و رأت وحشا أبشع من السابق، بل و أكثر شرا منه.
زأر قائلا:"أدخل يا ولد، ستنعم بحسن ضيافتي، ما الرسالة التي تحملها؟ ".
" أخوك يدعوك إلى حفل تتويجه في أصفهان بعد ستة أيام، حيث أنه قد ألقى القبض على الملك "الشاه نشاه"و يعتزم تنصيب نفسه بدلا منه".
"رائع"، أجاب الوحش " إجلس هنا على هذه الأريكة، و كل اللحم العالق بتلك العظمة، تبدو جائعا"موجها كلامه إلى الحصان.ثم سأل الأميرة فيروز:" ماذا تطلب مني؟ ".
" أريد نصلا سحريا تقطع رأس العدو مثل البرق" قالت الأميرة.
ضحك الوحش طويلا بصوت مرتفع" لك ماتريد أيها الولد، أنت صبي شجاع و تستحق ذلك".
و قبل أن يتم كلامه أحست الأميرة بثقل في يدها اليمنى، و رأت أنها تحمل سيفا ذا نصل حاد، فوضعته في غمده و إمتطت حصانها.
" أراك يوم التتويج إذا"، ضحك الوحش بينما كانت فيروز تبتعد.
سارت عائدة حتى وصلت إلى ضفة النهر الأبيض، و هناك كان الوحش الأول جالسا على جلد ثور، وقفت الأميرة خلفه.
"أحسنت أيها الفتى" زأر الوحش "هل أخذت مكافأتك؟".
"نعم" أجابت الأميرة و هي تستل السيف من غمده، و بينما كان الوحش يقترب ليمعن النظر قامت الأميرة بقطع رأسه بسرعة البرق، و ترجلت من على حصانها و بحثت عن الحصاة في حافظته، و أخذتها معها لتعبر النهر مرة أخرى.
أسدل الليل ستاره ووجدت فيروز مأوى في كهف و تدثرت بمعطفها المبطن، بينما كان الحصان واقفا أمام مدخل الكهف ليحرسها.
نامت فيروز حتى إنتصف الليل و إستيقظت لترى ضوءا في نهاية الكهف، و سمعت صوتا يقول:"أفيقي أيتها الأميرة و إستمعي إلى.. أنا ملاكك الحارس".
قفزت الأميرة ووقفت، و رأت حورية جميلة ترتدي ذهبا لامعا تقف في منتصف نار حمراء فقالت لها:"أعطني الحصاة أيتها الأميرة، سأساعدك على إعادة والدك لهيئته الأولى".
كانت الأميرة على وشك أن تعطيها الحصاة عندما هم الحصان بهز يدها فوقعت الحصاة على الأرض، و قال بصوت عال:"لا، لا أيتها الأميرة، هذه ليست حورية و لكنها كائن وحشي تريد أن تستولي على" الشاه نشاه".
و بينما كان الحصان يتحدث إختفت النار و تحولت الحورية الجميلة إلى إمرأة بشعة، و إختفت كذلك مصدرة صوتا كفحيح الأفاعي.
" و لكنك تتكلم الآن أيها الحصان" صاحت الأميرة فيروز، "ساعدني لأجد الحصاة فقد وقعت هنا على الأرض".
"ها هي ذي" قال الحصان بعد أن أمسك الحصان الحصاة بين أسنانه و قدمها للأميرة التي وضعتها بحرص في جيبها.
سألته الأميرة:" كيف لك أن تتحدث و أنت حيوان؟".
أجاب الحصان:" أنا في الحقيقة أمير مسحور، سحرني مشعوذ في عيد ميلادي الثامن عشر لأنني تحدثت معه بغطرسة" و هز شعر عنقه بكبرياء.
" و منذ ذلك الوقت و أنا على هذا الحال، و لن أتمكن من فك التعويذة و العودة إلى طبيعتي و سأظل محبوسا في هذا الجسد حتى يخرجني حب إمرأة".
"أرجو أن يتم هذا على خير".
قالت الأميرة في خجل":"دعني أمتطيك أيها الحصان الطيب كي نذهب إلى سيدة أصفهان الحكيمة، تعيش في بيت مرتفع موصد الأبواب و النوافذ، لها شعر أبيض و أنف مثل منقار الببغاء، و ترتدي فستانا من المخمل الأخضر المطرز بأزهار وردية من شيراز.
عندما دخلت الأميرة مكتبتها إستمعت السيدة العجوز إلى القصة كاملة دون أن تتكلم، ثم قالت:"كنت أعرف بمجيئك لأنني كنت أنظر في مرآتي السحرية قبل ساعة، نعم لدي مسحوق خاص يمكن أن يعيد" الشاه نشاه" إلى هيئته السابقة، دعيني ألقيه أولا على الجمرة".
وقفت الأميرة فيروز المتعصبة في ثيابها المتسخة تنظر إلى الساحرة في دهشة و تعجب و هي تقوم بعملها. وضعت الحصاة أولا على الأرض و رسمت حولها علامة الملك سليمان السحرية، ثم رشت على الفحم المتأجج ذرة من المسحوق السحري. تمتمت ببضع كلمات و إشتدت وهج النار التي تحولت إلى الأحمر ثم الأزرق، ثم ما لبثت الأميرة أن رأت والدها واقفا أمامها، لم تتمالك الأميرة نفسها من شدة الفرح و السرور بعودة والدها. نزلت المرأة العجوز على ركبتيها إجلالا للملك "الشاه نشاه" لكن الملك ساعدها على الوقوف و شكرها على مساعدتها له و قال لها:"لك ملء فمك من الجواهر أيتها السيدة الطيبة" ففرحت العجوز أيما فرح.
عادت الأميرة فيروز و الملك الشاه نشاه إلى القصر، و صهل الحصان معلنا فرحته عندما قبلت الأميرة أذنيه البيضاء و مسحت على شعر رأسه، و همست له:"أحبك أيها الأمير الحصان" ، و قبل أن تتم كلماتها كان الحصان قد إختفى و ظهر أمامها أمير وسيم، و في الأخير تزوجا في حفل زفاف دام سبعة أيام و سبعة ليالي حيث عمت الفرحة و البهجة في كل مدن إيران.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق