آخر المواضيع

الأحد، 8 أغسطس 2021

قضية سفاح بوسطن الغامضة


قضية سفاح بوسطن الغامضة


عام ١٩٦٥ إعترف ألبرث ديسالفو بأنه سفاح بوسطن، لكنه لم يجرم بالإحدى عشرة جريمة الوحشية التي إرتكبها في حق ضحاياه اللاتي كن من النساء، لكنه عرف أشياء لم يكن لشخص آخر أن يعرف مصدرها إلا إذا كان متواجد في مسرح الجريمة، لكنه لا يوجد دليل مادي يربط ديسالفو بالجرائم فهل كان ديسالفو فعلا السفاح الذي روع مدينة بوسطن؟ أم أنه باحث عن الشهرة فزيف إعترافاته؟ و هل أفلت القاتل الحقيقي أو القتلة من العقاب؟.

كانت أول و أعنف قضايا جرائم القتل المتسلسل في التاريخ الأمريكي في صيف عام ١٩٦٢، حيث باتت مدينة بوسطن محاصرة بسلسلة جرائم قتل مروعة لم يسبق لها مثيل، حيث كانت هذه الجرائم تلهب المشاعر فقد كانت جرائم جنسية عنيفة و شنيعة لم يسبق لها و أن شهدتها مدينة بوسطن، . خلال حقبة السنتين التاليتين من الرعب وجدت إحدى عشرة جثة إمرأة مخنوقة بجواربهن و ملابسهن الداخلية، و قد كانت الشكوك تساور المحققين حول وجود سفاح خطير  نظرا لتشابه طرق التنفيذ التي يعتمدها أغلب المجرمين في قتل ضحاياه. و مع كل جريمة كان ولع الإعلام بالقاتل الغامض يزيد جو الخوف حيث أصبحت مدينة بوسطن بحالة هيستيرية، فقد أعلنت الصحف عن خبر القاتل الشبح يهجم ثانية، عناوين أنباء مخيفة بالخط العريض مما زاد الضغط الكبير على الشرطة لإيجاد القاتل أو القتلة.

وصف البعض مدينة بوسطن بأنها في قبضة إرهابي، يقول "دانا كوهن" و هو مدير سابق لمخبر بوسطن الجنائي أنهم عملوا لأربعة و عشرين ساعة في اليوم و فكروا و عاشو تحقيقات هذا السفاح، بعد ثلاث سنوات من بدء جرائم القتل، إعترف ألبرث ديسالفو المسجون بتهم الإعتداء الجنسي بأنه السفاح، حيث لم يعرف أحد أدق التفاصيل مثلما عرفه عن الجرائم.

بعد إعتراف ديسالفو أغلق التحقيق، فكل الجرائم الإحدى عشرة حلت بجرة قلم ديسالفو، لكن ليس كل من يعمل على القضية كان مقتنعا بهذا، حيث يقول الإدعاء و المحققون بأن ديسالفو هو السفاح فقد كان شيئا معروفا بين أجهزة الشرطة. بعد ست سنوات مات ديسالفو في السجن في ظروف غامضة، حيث ظن البعض أنه كان سيتراجع عن إعترافه لذلك قام أحدهم بقتله من أجل إسكاته، فإذا كان ديسالفو ليس هو سفاح بوسطن فمن يكون يا ترى؟.

لم يكن البرث ديسالفو متهما حتى قرر الإعتراف بأنه السفاح، في ظل وجود متهمين أكثر شبهة منه، يعتقد الكثير ان التحاليل الجنائية الجديدة ستحل اللغز فالحمض النووي هو الأسلوب الامثل لتعريف الهوية، و بمرور أربعون سنة على تلك الأحداث فهل يجب فحص الادلة ثانية لمعرف براءة او جرم ديسالفو؟ . 

بدأت أولى سلسلة من الجرائم الشنيعة تلك، عندما راحت أولى ضحية و هي إمرأة تدعى "آنا سلاسرز" مطلقة و تبلغ من العمر خمسة و خمسين سنة، عاشت وحيدة في حي باكبي ببوسطن و من موقع الجريمة إستنتج المحققون أن "آنا" كانت تستمع إلى الأوبرا من مشغل الأغاني بينما كانت تستحم حيث قتلت في الرابعة عشر من يونيو من عام ١٩٦٢. لم يرى أحد وجود من يشتبه به في البناية أو يصعد السلالم إلى شقتها في الطابق الثالث، و ككل هذه الجرائم لا يوجد دليل عن حدوث إقتحام أو صراخ يسمعه الجيران، فلابد من أن "آنا" كانت قد أدخلت قاتلها بكامل إرادتها، وجدت الجثة عارية على الأرض  و بركة دماء نضحت من جرح عميق في مؤخرة رأسها، و قد بين التشريح أن القاتل إعتدى عليها جنسيا بإستعمال أداة قبل أن يخنقها حتى الموت بحزام ردائها المنزلي، الزينة حول رقبة "آنا"جعلت منها علامة مميزة لسفاح بوسطن، فقد كانت العلامة الأولى الحقيقية لما سيؤول إليه الأمر لأن حزام رداء الحمام لف بطريقة مميزة حول رقبتها و كانت هذه سابقة لسلسلة جرائم التي يعتقد بأنها ستبقى مميزة.

قبل أن يغادر القاتل قام بالعبث ببمتلكات الضحية، لكن معظم أشياء "آنا" القيمة لم يلمس، لم يكن هناك دافع واضح للقتل لكن ربما ترك القاتل بعضا من الأدلة، حيث كان أول ما أثار الإنتباه إليه هو  المنطقة الممتلئة بالدم و الشعر على السجادة، حيث تم جمع تلك العينات لإجراء فحص عليها.

في البداية سجلت وحدة بوسطن لجرائم القتل القضية بأنها جرائم قتل قام بها معتوه، حيث لخص أحد المحققين الأمر بأنه إقتحام روتيني مع بعض التعقيدات، في الرابع من يوليو عرفت شرطة بوسطن أنه هناك شيئا بشعا يحدث، حيث وجدت جثتان أخريان كلتاهما لإمرأتين في الستينيات أعتدي عليهما جنسيا و خنقتا بجواربهما، في كل قضية كانت الجثة عارية بوضع مروع لزيادة الصدمة و حتى أفراد الشرطة المتمرسون كانو تحت تأثير الصدمة من هول المنظر.

في الصحف أصبح الخانق بالجوارب الحريرية خبر الصفحات الأولى، الشرطة ماطلت بالإعتراف بأن الجرائم متصلة، و بدأت الشرطة في البحث عن القاتل منذ يوليو حيث لم ترغب الشرطة في الإعتقاد أنه شخص واحد، لأنهم سيكونون في موقف سيء و خطير جدا.

في أغسطس وجدت جثتان لإمرأتين مسنتين الضحية الرابعة و الخامسة، بعدها توقف القتل ثلاثة شهور و إنتظرت المدينة الجريمة التالية و قد أصبحت مدينة بوسطن بحالة هستيرية و قامت النساء بإفراغ مأوى الكلاب من أجل حمايتهم، قامت النساء بحمل سكاكين تحسبا لأي إعتداء يمكن أن يصادفهم، و في ديسمبر قتل السفاح ضحيتين جديدتين، "صوفي كلارك" طالبة في عمر العشرين سنة و "باتريشيا بيسات" بعمر ثلاثة و عشرين سنة حيث بات من الواضح أن ميول السفاح قد تغير حيث أنه عادة مايميل السفاحون إلى نوع معين من الضحايا و قد كانت ضحايا هذا السفاح متنوعة ففي البداية كانت الضحايا من النساء ذوات بشرة بيضاء و كبارا في السن ثم حدثت فجوة بعد مقتل فتاة شابة سوداء جميلة.

في مايو عام ١٩٦٣ عبر القاتل النهر إلى كيمبريدج، طالبة الدراسات العليا "بيفرلي سيمنز" وجدت في شقتها قرب الحرم الجامعي جثة هامدة، بين التشريح بأنها ماتت بسبب طعنات عدة في صدرها و قد كان من الملاحظ وجود تغيير نحو العنف في طريقة القاتل، الجوارب حول رقبتها لم تكن محكمة مما دفع شرطة كيمبريدج إلى الإعتقاد بأن هذا تقليد للقاتل، في البداية بدأت الصحف بتسمية موت النساء كبيرات العمر  بالقتل خنقا بالجوارب، و في الواقع فقد خلق السفاح نموذجا لجرائم القتل لأي شخص أراد التخلص من إمرأة مزعجة.

في الخريف إنتقلت جرائم القتل إلى الضاحي، و كانت الضحية العاشرة في لورانس حيث بدأ السفاح في التوسع، و هنا بدأت الجهود تتكاتف حيث تم تعيين ألفان و ستمائة شرطي في ثلاث مقاطعات من أجل العمل بجد لحل القضية لكنهم لم يجدوا أي دليل، فبدأوا باليأس و نفد صبر الرأي العام فقرر "إدوارد بروك" النائب العام أن يعالج الأمر بنفسه حيث شكل قوة القبض على سفاح بوسطن لتنسيق التحقيقات، لكنه كان هناك جدال بين المقاطعات على حق التحقيق في جرائم القتل هذه حيث أراد الجميع رؤية إسمه في الصحف و أنه أمسك بالسفاح، لذلك إستعمل النائب العام سلطته ليسيطر على القضية و بالتالي قام المحققون العاملون لديه بإعطاء الأوامر لتنفيذ التحقيقات.

و هكذا مرت سنة أخرى، و أحد أكبر المحققين في جرائم القتل في تاريخ أمريكا فشل في القبض على المتهم الرئيسي، "إيفلي بيلي" محامي شاب طموح سيصنع شهرته بسبب هذه القضية، في مارس من عام ١٩٦٥ برز المحامي "بيلي" مع حل لإحدى عشر جريمة قتل بعد ثلاث سنوات من المطاردة الفاشلة عرض "بيلي" تقديم القاتل على طبق من ذهب، كان موكله "ألبرث ديسالفو" في السجن بإنتظار المحاكمة بتهم إعتداءات جنسية، كان "ديسالفو" مستعدا للإعتراف بأنه سفاح بوسطن لكن هناك خدعة، لا يمكن إستعمال إعترافه ضده في المحكمة و حسب أقوال "بيلي" و المحققين في قوة القبض على سفاح بوسطن، كان إعتراف "ديسالفو" مؤثرا فعند الإستجواب أثبث"ديسالفو" أنه يعرف حقائق  لا يعرفها إلا القاتل، إجاباته كانت تلقائية و لم يتردد قط.

أراد النائب العام غلق القضية و إعتبار"ديسالفو" هو السفاح، إفترض أن "ديسالفو" هو القاتل لكنه لم تجرى محاكمة لهذه القضية في المحكمة فقد بات" ديسالفو" مذنبا بناءا على إعترافاته وحدها، لكن عند الفحص الدقيق يظن خبراء عدة أن قوله يثبث عكس هذا و أن "ديسالفو" قد زيف إعترافه و يظنون أنه قال أكاذيب عدة للشرطة، تصوير "ديسالفو" الواضح لكل جريمة قتل أقنع إدوارد بروك مدعي عام الولاية أن السفاح في السجن، كان هناك آلاف من تفاصيل موقع الجريمة و كان "ألبرث ديسالفو" دقيقا في معظمها بحيث كان يعرف نوع أثاث الشقة و مكانه و الملابس و كل شيء حتى زخرفة خشب السرير، لكن البعض يجادل بأن تفاصيل إعتراف يثبت برائته بحيث يعتقدون أن ألفي صفحة من إعترافاته تبين أخطاءا جسيمة بحيث يوجد إختلاف كبير بين قصة ألبرث و تقارير مسرح الجريمة و تقرير التشريح و المعمل الجنائي، فقد إدعى أن ذاكرته خارقة لكن إن كان هذا صحيحا فقد خذلته بشدة.

لم تمتلك الشرطة دليلا على "ديسالفو" إلا إعترافه، لم يكن هناك شهودا أو أدلة جنائية تربطه بأية جريمة قتل، لذلك لم يكن "ديسالفو" متهما لأنه لا يوجد دليل يربطه بالجرائم و لم يكن محل شك لأحد من الشرطة أبدا، لكن فاجأ إعتراف "ديسالفو" الجميع بحيث كان محتجزا في مصحة بريدج ووتر بإنتظار المحاكمة بتهم سلسلة قتل شنيعة، و حسب أقوال "إيفلي بيلي" في أوائل عام ١٩٦٥  إتصل به "ديسالفو" من خلال موكله "جورج " الذي كان محتجزا في نفس المصحة، كان لدى "ديسالفو" قصة يسردها و إحتاج لنصيحة قانونية، يقول" إيفلي بيلي" بأن تصوره الأولي لألبرث ديسالفو يدفعه إلى الإعتقاد بأنه هو السفاح، على الرغم من كونه مؤدبا و مرحا و لديه إبتسامة بسيطة إلا أنها كانت ماكرة و ربما كان يحمل من وراءها قسوة شديدة، عرف أنه لن يطلق سراحه ثانية و كان يحاول تقديم شيء إلى عائلته فأراد أن يعرف إذا كان بإمكانه تأليف كتاب عن أفعال لم يحاكم عليها من دون إبراز أدلة تساعد الشرطة على إتهامه.

و لإقناع القوات المختصة بالقبض على السفاح بأن لديهم مشتبه به طلب "بيلي" من الشرطة إعطائه خمسة أسئلة ليس بإمكان أي أحد الإجابة عنها إلا القاتل، و مجهزا بجهاز تسجيل ذهب "بيلي" إلى مصح "بريدج ووتر" ليقابل السفاح، سؤالان من بين أسئلة "بيلي" الخمسة مرتبطان بقتل "صوفي كلارك" أنها طالبة كلية الطب بعمر العشرين سنة كانت أولى الضحايا الشابات، و في إعترافه وصف بدقة المرأة التي فتحت الباب بأنها طويلة و جميلة كانت مرتدية ملابس النوم و الجوارب، و بعد إقناعها بالدخول قال "ديسالفو" بأنه جر صوفي من الخلف و كان متفاجئا من سرعة إغمائها، وصف "ديسالفو" كيفية خنقها خلال إستعادتها لوعيها حيث قام بربط الجوارب بقوة بحيث إختفت في طيات رقبتها، لقد عرف السفاح وحده أن الضحية الشابة الجميلة كان عندها تحت كرسيها قطعة قماش الشخص الذي أخذها منها و رماها هناك عرف بهذا وحده أما السؤال الآخر كان عن علبة سجائر، فقد أوقع "ألبرث" علبة سجائر من المكتبة ووقعت خلف المكتبة بحيث لم يستطع أحد رؤيتها، عندئذ دهش المحامي "بيلي" و قال في نفسه أنه هو مقتنعا بأن موكله هو السفاح، قام "بيلي" بعقد صفقة مربحة مع ممثل المدعي العام بحيث يمكن للشرطة الحصول على إعتراف "ديسالفو" لكنه لا يمكن إستعماله كدليل ضده. عندما وصل الخبر إلى السلطات العليا إستغل "جون باتنلي" الفرصة لإستجواب" ديسالفو" حيث كان محامي عقارات بلا خبرة لإستجواب المجرمين، عينه صديقه المدعي العام لهذه المهمة، لكن أسلوب الإستجواب كان خاطئ فلم يقم به "جون باتنلي بصورة صحيحة  و كان من المفترض للمحامي" بيلي" أن يقوم بالإستجواب أو" جون دونافان" شخص ذو خبرة، و عندما خرج من غرفة إستجواب" ألبرث" أخبره بأنه هو السفاح و لا مجال للشك و كان سعيدا.

زمرة من المحققين في القوة الخاصة كانوا كتومين على تفاصيل الإعتراف، لكن الخبر وصل إلى المدعي العام "إدوارد بروك" بأنه مذنب. في ذلك الوقت رشح "بروك" نفسه لمنصب سيناتور أمريكي فبعد إعتراف "ديسالفو" أغلقت القضية، نشرت الجماهير و الصحافة هذا الخبر لكن بصورة خفية فكثيرون من أفراد الشرطة يشكون في هذا بحيث ظن كثير من أفراد الشرطة أنهم ملمون بالقضية و أن عندهم مشتبها، بعد ستة عشرة عاما قامت "سوزان كيلي" بأبحاث عن السفاحين حيث أصبحت الشكوك حول إعترافات" ديسالفو" علنية وكان كل شرطي قامت بالتكلم معه  بخصوص "ديسالفو" كان يخبرها بأنه ليس هو السفاح الذي روع بوسطن، "كيلي" هي أولى الصحفيات التي حصلت على نسخة من الإعتراف، تفاجأت عند رؤية كلمة "ديسالفو" كانت غير دقيقة في مواقف عدة ففي بعض الأحيان كانت أخطاء "ديسالفو" واضحة جدا و أفضل مثال على ذلك هو في قضية "بيفرلي سيمنز" حيث وصف "ديسالفو" كيفية دخوله شقتها و طعنها بواسطة سكين و حسب أقوال "ديسالفو" قام بربط يدي الضحية و طعنها في الصدر و الحنجرة، إدعى" ديسالفو" أنه أخذ سلاح الجريمة معه عندما غادر و تخلص من السكين في المستنقع، كانت أقوال "ديسالفو" حول كون أداة الجريمة هي سكينة صغيرة إلا أنه في الحقيقة سكين مطبخ يعود للضحية "بيفرلي سيمنز" ، وجد المحققون آثار دماء على السكين فاستنتجوا أن القاتل حاول تنظيف الأدلة قبل ترك سلاح الجريمة في مكانه، يعتقد المتشككون أن الأخطاء القاتلة في قصة "ديسالفو" غلبت التفاصيل الذي أصاب بها لكن السؤال هو كيف عرف "ديسالفو" هذا كله؟.

يقول كثيرون ان طريقة استجواب جون باتنلي التي تنم عن قلة الخبرة ساعدت ديسالفو في سرد التفاصيل، اعتقد البعض ان بيلي اقنع ديسالفو بالاعتراف ليرضي بيلي طموحاته المهنية فقد شكوا في أن ديسالفو قد درب على يد محاميه قبل اعتراف ديسالفو للشرطة، اتفقت الغالبية على أن الإعتراف وحده ليس كافيا لتجريم ديسالفو رغم استدعائه للمحاكمة.

ليس واضحا إن حاولت القوة الخاصة تأكيد الإعتراف بفحص الأدلة الجنائية ضد "ديسالفو" ، هناك بصمات و الشعر و الدم و السائل المنوي جميعهم وجدوا في موقع الجريمة، هناك شهود عيان إدعوا بأنهم شاهدوا القاتل، و بالفحص الدقيق يعتقد كثيرون أن الأدلة الدامغة تثبث أن هناك أكثر من سفاح.

في عام ١٩٨١ عندما حصلت الصحفية "سوزان كيلي" على تقارير الشرطة إكتشفت أن عددا من قضايا الخنق هذه كانت لدا المحققين مشتبه بهم آخرون، بعد إعتراف "ديسالفو" أوقفت القوة الخاصة التحقيقات عن بقية المتشبهين بهم، في قضية "صوفي كلارك" شهادة إحدى الجيران تلقي بالشك في جرم "ديسالفو" بالقتل حيث أخبرت الشاهدة الشرطة بأنه في اليوم نفسه الذي قتلت فيه "صوفي" جاء شخص غريب إلى بابها مدعيا بأنه جاء لطلاء شقتها، عندما قالت الشاهدة أنها ستستفسر من زوجها غادر الرجل فجأة و عندما أروها صورة" "ديسالفو" كانت الشاهدة متأكدة من أنه ليس الرجل الغريب الذي كان على بابها، كان لدى الشرطة متهم  آخر في مقتل الضحية الأخيرة "ماري سوليفان" حيث أن" شيرمان" إبن أخت الضحية يعتقد أنه بإعتراف" ديسالفو" تركت الشرطة القاتل الحقيقي.

شوهد المتهم في أنحاء موقع الجريمة بصورة مريبة، أحضروه وإستجوبوه رسميا و خضع لجهاز كشف الكذب و قد فشل به، سألوه عن ضلوعه في قتل "ماري سوليفان" لكنه أجاب بالنفي، ألقيت" ماري" على السرير و لقد تم خنقها بواسطة وشاحين و جوارب نسائية و ترك القاتل بطاقة مريبة و التي كانت بطاقة تهنئة بالسنة الجديد وضعت بين إصبعين من قدمها حيث كان المشهد مرعبا، شاهدة عيان تعيش مقابل شقة "ماري سوليفان" ألقت بشكوك أخرى على قتل "ديسالفو" لها حيث أنه في وقت قتل "ماري" قالت الجارة أنها رأت في النافذة رجلا بشعر أحمر ينظر إلى نفسه من مرآة حمام شقة "ماري" لكن المواصفات لم تكن مطابقة "لديسالفو" ، أقوال شهود العيان في القضايا المختلفة لا تتشابه أيضا مما يوحي بوجود قتلة عدة و هذه الشهادات تستبعد أن يكون "ديسالفو" هو القاتل الوحيد لكنها لا تستثنيه، ربما قد يكون الشهود غير دقيقين كثيرا عندما يتعلق الأمر بالأوصاف و هناك إحتمال أن إعادة فحص أدلة موقع الجريمة بإستعمال التقنية الجنائية الحديثة قد ينهي الجدل حول إتهام "ديسالفو" للأبد، فالأدلة المادية لا تكذب بينما المعلومات من الشهود تكون عرضة للشك فالمعلومات من الأدلة المادية تكون بلا دافع عدا الحقيقة، أحد الأسئلة المهمة التي تطرح هل أستعملت الأدلة من موقع الجريمة لتأكيد قصة ديسالفو؟ هل طابق أي دليل جنائي يظن أنه للقاتل ديسالفو؟.

من المدهش أن المحققين الجنائيين الذين جمعوا و فحصوا هذه الأدلة لا يمكنهم الإجابة عن هذا السؤال حيث يقولون أنهم أبعدهم عن الأمر، البصمات و الشعر و الدم كل تلك العينات جمعت و صنفت و معظم تلك العينات أرسلت إلى معمل مكتب التحقيقات الفيدرالي، المحامية الجنائية "إيلين شارب" أخذت على عاتقها مهمة إعادة فتح القضية نيابة عن عائلة "ديسالفو" و كذلك عن عائلة "ماري سوليفان" ، أقامت شارب دعوى قضائية ضد النائب العام للولاية و شرطة بوسطن مطالبة بإطلاق سراح الأدلة، في قضية قتل "ماري سوليفان" تولت العائلة الأمر بنفسها، و في عام ٢٠٠٠ أخرجوا جثتها حيث وجد العلماء الجنائيون في جامعة واشنطن آثار إفرازات بدنية مجهولة على فخدها و قد تكون لقاتلها.

يستمر مكتب النائب العام برفض طلب عائلة "ديسالفو" بإطلاق سراح الأدلة للفحص الخاص حيث يعزون السبب إلى أن "ديسالفو" لم تجرمه هيئة المحلفين، و مازلت القضية مفتوحة و سارية لذا لديهم حق الحجز على الأدلة هذا الوضع ثبثه حكم المحكمة، تظن المحامية "شارب" بوجود سبب آخر لرفض المدعي العام الإفراج عن الأدلة، و كما هو الحال الآن الجدال حول براءة أو جرم "ديسالفو" لم يحل مادامت الأدلة مازلت محجوزة و بلا فحص لن تظهر الحقيقة إذا كانت نتائج الحمض النووي في قضية "ماري سوليفان" تقترح أن "ديسالفو" ليس القاتل فسيزيد هذا الشكوك بأنه كان لا  يقول الحقيقة حول كل الجرائم فإذا كان فحص الحمض النووي سيحسم مسألة براءة او جرم" ديسالفو" فلما لا نعيد التحقيق في القضية كلها.

من بين كل جرائم قتل بوسطن الغامضة الأكثر تأثيرا هي جريمة قتل في السجن للمدعي بأنه سفاح بوسطن، و حتى يومنا هذا يعد موت ديسالفو غامضا فمن قتل البرث ديسالفو؟ و لماذا؟.

بعد ست سنوات من إعتراف "ألبرث ديسالفو" بأنه السفاح، طعن حتى الموت داخل سجن "وول بول" الشديد الحراسة و يعتقد كثيرون أن موت "ديسالفو" لم يكن عنفا عشوائيا في السجن فعلى حسب أقوال عائلة "ديسالفو" و طبيبه النفسي كان على وشك التراجع عن إعترافه و يعتقد أنه قتل لتبقى الحقيقة مطمورة، حسب أقوال الطبيب النفسي السابق "لألبرث ديسالفو" في الخامس و العشرين من نوفمبر من عام ١٩٧٣ إتصل به "ديسالفو" من سجن "وول بول" حيث أخبره بأنه يود الإلتقاء به بصورة مستعجلة لأنه لديه شيئ مهم ليخبره به ليتم في صباح اليوم التالي الإعلان في الصحف عن مقتل "ألبرث ديسالفو" على فراشه في سجن "وول بول" بعدة طعنات حتى الموت.

قبل أسبوع من موته طلب "ديسالفو" النوم في مستوصف السجن لأنه يخاف على حياته، لكن قاتله تمكن من تجاوز نقاط التفتيش ليدخل إلى غرفة "ديسالفو" و يوجه له عدة طعنات في القلب مباشرة فيرديه قتيلا غارقا في دمائه و لم يتم إلقاء القبض القاتل، يبين تقرير التشريح بأن "ديسالفو" طعن ستة عشرة مرة لكن لا توجد جروح دفاعية على جسمه لذا لم يتصارع مع القاتل كما وجد أيضا ترسبات الفاليوم في شعره، فقبل مقتله أخبر" ديسالفو" شقيقه بأنه تناول شيئا طعمه غريب و بأنه مخذر بشدة و هذا يؤكد بأن أحدا ما قد دس له مخذرا في طعامه حتى يسهل عليه قتله، قال مسؤول السجن أن موت "ألبرث" سببه تورطه  في بيعه للمخذرات في السجن، لكن البعض لم يصدق القصة، إذا كانت هناك خطة لقتل ديسالفو فالسؤال المطروح هو من المدبر؟.

هناك نظريات عدة لكن شيئ واحد بدا أكيدا فإن لم يكن "ألبرث ديسالفو" السفاح فستكون سمعة الكثيرين في خطر، لدى "إيفلي بيلي" شكوك حول أقوال المكالمة الهاتفية لديسالفو مع طبيبه النفسي في السجن، حيث يقول إيفلي بيلي أن دافع ديسالفو لتراجع عن إعترافه هو الغرور فلماذا قام ديسالفو بهذه الجرائم؟ هذا محور الجدال حول ما إن كان يطابق خصال السفاحين، لكن تعددت الآراء فبعض العلماء النفسانيين الذين حللوا شخصيته قالوا بأن طفولته المضطربة هي الدافع وراء هذه الجرائم، فقد كان في تدريب مستمر طوال حياته ليكون سفاح بوسطن حيث كان والده رجلا متوحشا قاسيا كان يضرب زوجته و الأطفال حتى أنه كسر أصابع زوجته كلها أمام الأطفال، لكن الدكتور "روبي" الذي عرف ديسالفو قبل الإعترافات لم يكن مقتنعا بأنه السفاح لكن لاحظ بأنه يرغب بالتفاخر فقد أراد أن يكون أفضل و أعظم شأنا.

عام ١٩٦٥ لم يكن هناك مايسمى المختصين بالسفاحين، تاريخ "ديسالفو" الإجرام بدا كلص تافه فطوال حياته عرف بأنه لص يقوم بالإقتحام، وجد وسيلة للدخول بإستعمال أسلوبه التلقائي في الكلام كما أن رغبة "ديسالفو" الجنسية الشاذة دفعته إلى دخول السجن مرارا، في عام ١٩٦١ ألقى القبض عليه بسبب تهم إعتداء جنسية غريبة سميت بجرائم رجل القياس، دخل "ديسالفو" إلى شقق النساء  بإنتحاله شخصية وكيل عرض أزياء فقد كان يدخل و يتحدث مع النساء مدعيا أنه سيجعلهن عارضات أزياء و سيدفع لهن أربعين دولارا في الساعة لعرض الأزياء، كان يستخذم شريط القياس ليرى إن كانت أجسامهن متناسقات لهذه الوظيفة، في نوفمبر عام ١٩٦٤ أعتقل لسلسة إعتداءات جنسية عرفت بإعتداءات الرجل الأخضر إعتقلته الشرطة بتهم إعتداء على ثلاثمائة إمرأة. و بصفته الرجل الأخضر إعتدى "ديسالفو" و هدد ضحاياه لكن حسب أقوالهن لم يظهر رغبة في إيذائهن جسديا، كان "ديسالفو" مهووسا بالجنس لكن سجله الإجرامي لم يبين العنف الشديد الملحوظ في جرائم القتل و يمكن أن يقول أحدهم أن عنف "ديسالفو" إزداد من رجل القياس إلى الرجل الأخضر ثم إلى سفاح بوسطن لكن هناك خدعة، فإعتداءات الرجل الأخضر  حدثت بعد جرائم القتل. 

تعتبر قضية سفاح بوسطن هي الأولى من نوعها في أمريكا حيث أنه في ذلك الوقت لم يكن يوجد إختصاصيون في السفاحين ليحللوا شخصية "ديسالفو" فنمط جرائم القتل لم تبين إحتمال ية صدق أو كذب "ديسالفو" في إعترافه، هل ستشير شهادة خبراء اليوم بأن ديسالفو هو سفاح بوسطن؟ فلو أجريت المحاكمة اليوم فماذا سيكون الحكم؟.

مهد سفاح بوسطن الطريق إلى جرائم قتل عديدة تهز المشاعر، فهم العوامل النفسية للسفاحين أصبحت ضرورة للشرطة، إذا عرفنا عام ١٩٦٥ ما نعرفه اليوم هل كانت ستتسرع السلطات في قبول إعتراف "ألبرث ديسالفو" ، الدكتورة "كاثرين رامزلاند" متخصصة في علم النفس للسفاحين بعد فحص القضية بعناية تتساءل إن كان عند "ديسالفو" ميل للقيام بعمل جرائم القتل حيث  تقول الدكتورة أن "ألبرث ديسالفو" على. حسب ما نعرفه عن تعامله مع النساء اللواتي كن يدعمنه بطريقة أو بأخرى فإنه كان مهذبا و محبا للإعتذار و يشعر بالندم بسرعة فإن شخصا مثله لا يتحول إلى سفاح شرير و عنيف مع النساء ثم يعود إلى اللطافة مع بقية النساء، يقول حديث "رامزلاند" أن سفاح بوسطن هو إختراع الإعلام، لا يوجد قاتل منفرد.

إخصائي الإعتراف الدكتور "سول كاسين" بعد قيامه بفحص نسخ إعترافات "ديسالفو" توصل إلى نتيجة بأنه لو عادوا بالزمن و فحصوا الحقائق التي يفصلها في إعترافه فإن معظمها تثير التساؤل في إعترافه، فأثناء إستجوابه تحدث عن الوشاح، و قصة الوشاح تعود إلى الضحية "باتنلي" فقصة الوشاح جاءت من الإستجواب و بعد لحظات و من "باتنلي" ثانية يسأل إن كانت ساقيها مربوطتان و يذكر كل شيء و كيف حدث و كيف كانت تلبس و هل ربطها أو لم يفعل "باتنلي" يقوم بالإرشاد و يتبعه "ديسالفو"، هنا تكمن  مشكلة الإعتراف هي أن المحامي "باتنلي" كان يسرد القصة من خلال "ديسالفو" 

مطمورة في الإعتراف يجد "كاسين" أدلة على خطأ محتمل آخر،حيث يقول "كاسين" أنه هناك أدلة منتشرة في الإعتراف تدل على أن "ديسالفو" يشير إلى أشياء يبدو أنها موجودة في غرفة الإستجواب حيث أنه سيقول شيئا مثل أن هذا هو المعطف هنا أو هذا ما فعلته هنا كما لو أنه ينظر إلى صور و أي متدرب في قوى الأمن يعرف أنك لا تعرض المتهم على الأحداث و عليك التذكر أن المتهم إن إعترف بالجريمة فيليها إثباث الإعتراف إثباث أنه المجرم و عندما يدخل المحقق إلى الغرفة و يزود هذه الأدلة إلى المتهم يصبح إعترافه بلا قيمة.

حسب علمنا مازال الجواب الآن مثل جواب عام ١٩٦٥ لا دليل آخر ضد "ديسالفو" ، فالأمل الوحيد في معرفة الحقيقة لقضيته هو الحمض النووي حيث يتفق الجميع على هذا، ألمح مكتب المدعي العام أنهم سيقبلون بفحص جديد في ظل ظروف مناسبة، فقضية سفاح بوسطن سابقة، إنه التحقيق الجنائي الأول الذي أشتهر في الصحافة، صورة هذا السفاح الشبح إرتقت إلى شخصية مشهورة حيث دفع المال من أجل الحصول على القصة للإعلام و كانت سمعة الكثيرين كانت على المحك، رئيس القوة الخاصة لإلقاء القبض على السفاح "جون باتنلي" إنتهى به الأمر كمستشار في هوليود في الفيلم العالمي سفاح بوسطن حيث صور "باتنلي" على أنه محقق بطل لعب دوره الممثل "هنري فوندا" ،أما النائب العام "إدوارد بروك" أصبح سيناتورا أمريكيا بعد عام من تصريحه بجرم "ديسالفو" ، في الفترة الأخيرة قال "بروك" أنه ليس متأكدا من ذنب "ديسالفو،" "إيفلي بيلي" الذي هندس صفقة إعتراف "ديسالفو" حصل على حصة من حقوق الكتاب لتغطي أتعابه و أصبح "بيلي" أحد ألمع المحامين الجنائيين في هذا القرن.

إستفاد كثيرون من قضية سفاح بوسطن من ضمنهم" ديسالفو" نفسه ففي السجن إستغل شهرته في بيع القلائد اليدوية الصنع، و دفنت قصة سفاح بوسطن مع موت "ديسالفو" في السجن لكن مثل الشبح تستمر قصة سفاح بوسطن بالظهور عندما أخرجت العائلة جثة "ديسالفو" عام ٢٠٠١ ليحققو في قضية قتله الغامضة فإكتشفوا أن أعضائه الرئيسية مفقودة فقد كانت رئتاه و كبده و كليتاه و دماغه كلها مفقودة لقد إختفت فأين هي؟ و لغاية اليوم لم يعرف أحد من أخذها.

العبرة من قصة سفاح بوسطن هي أن ما يحدث عندما تتحول الجريمة إلى سلعة، لم يكتب الفصل الأخير لأشنع جريمة غامضة في التاريخ و حتى ذلك الوقت ستبقى ملفات الشرطة للإحدى عشرة إمرأة مقتولة مفتوحة و قيد التحقيق. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق