آخر المواضيع

الاثنين، 24 يناير 2022

صانع العطور جان باتيست جرينوي أغرب سفاح نساء في تاريخ فرنسا



صانع العطور جان باتيست جرينوي أغرب سفاح نساء في تاريخ فرنسا

هو سفاح من نوع خاص جدا، و ما كان يفعله لم يسبقه إليه أحد من سفاحي التاريخ القديم و الحديث، شخصيته كانت في غاية الغرابة، و دوافعه كانت كشخصيته في غاية الغرابة أيضا، أما جرائمه فلا يزال العالم يتذكره بإعتبارها الأغرب في تاريخ الجريمة لدرجة أنها أكثر الجرائم التي تحولت لأعمال أدبية و سينمائية عالمية.

هذا السفاح لم يكن يقتل النساء من أجل المتعة و لم يكن يبحث عن اللذة كغيره من المجرمين، و إنما كان الدافع في غاية الغرابة و لا يمكن أن تخطر على ذهن إنسان عاقل فقد كان يقتلهن من أجل فكرة مجنونة من بنات أفكار إبليس. فقد كان الدافع وراء القتل لدى الفرنسي سفاح النساء الأغرب و الأشهر جان باتيست جرينوي سوى جمع روائح أجسام النساء لتجميع عطر بشري لم يبلغه أحد من قبل. 

حياته

ولد جان باتيست جرينوي في عام 1738 حيث ولدته أمه في حي فرنسي مسكون بأبشع أنواع الروائح على الإطلاق، و على الرغم من ولادته في تلك الأجواء إلا أنه كان بلا رائحة، حتى إن المرضعات اللاتي عهد به إليهن لإرضاعه تشاءمن منه و رفضته أكثر من واحدة لتقبله أخرى لا تمثل لها الحياة شيئا، ووجود طفل مشؤوم في حضرة المكان لا يقدم و لا يؤخر، ليكبر جان بقدرته الشمية التي ساعدته على القيام بأعمال خارقة. 

عندما بلغ جرينوي سن التاسعة إنتقل للعمل في مدبغة الدباغ جريمال و هو رجل ذو شخصية صارمة، و بعكس باقي الدباغين المتدمرين من رائحة المدبغة النتنة، كان جرينوي يعيش بشغف وسط كنز من الروائح و الإكتشافات الحسية التي كانت تشحذ حاسة الشم القوية لديه، و رغم أنه كان على وشك الهلاك بعد إصابته بإلتهاب في الطحال إلا أن حياته في المدبغة لفترة طويلة كانت فرصة له لإستكشاف روائح باريس التي لم تمضي إلا سنوات قليلة حتى كان يحفظها عن ظهر قلب.  

و لأنه كان الأقدر على شم أدق التفاصيل في جميع المخلوقات على الأرض فإن كل الروائح المصنعة من أفضل أنواع الزهور لم ترضى نهمه، و ظل ذلك العطر الأنثوى الغامض هو هاجسه، ليصل إليه في النهاية بعد سلسلة عجيبة من الأحداث التي لعبت فيها حاسة الشم القوية لديه دورا كبيرا فيها. 

و ينجح جرينوي في إستخلاص عطر يستطيع من خلاله توجيه مشاعر الناس وفق ما يريد، و هذا ما جعلهم يتعاطون معه بعد أن نصبوا له المشقة لقتله، و هو المجرم الذي فتك بجميلات المذينة بحثا عن عطره المنشود. 

الجريمة الأولى

في مساء الفاتح من شهر سبتمبر عام 1753 و بينما كان جرينوي يتجول في شوارع باريس لفتت إنتباهه رائحة فتاة صهباء ذات عيون خضراء تقطن في حي "دي ماري" كانت رائحة ساحرة فلم يستطيع تمالك نفسه فقد شدته رائحتها فتولدت لديه رغبة عنيفة في إمتلاك عطر الفتاة فقرر إختطافها و إستخلاص رائحتها من جسدها، و بالفعل قام بقتلها و أخذها معه إلى جحره السري من أجل القيام بإستخراخ رائحتها من أجل تركيبته العطرية، كانت لحظة إستنشاق جرينوي لآخر آثار العطر في جسد الجثة هي الحاسمة في تحديده للهدف المستقبلي لحياته أن يتعلم كيفية صنع جميع الروائح التي تشتهيها نفسه و أن يغدو أحذق عطار في العالم، و كانت تلك أول جريمة له، لتتبعها فيما بعد جرائم أخرى حتى صارت باريس غارقة في دوامة من الرعب حيث أصبحت المدينة تستيقظ بصفة دورية على جثث الفتيات العذارى و هنا يبدأ رجال البوليس في البحث عن هوية القاتل المتسلسل الذي بث الرعب في أوساط سكان المدينة، و كانت خاتمة كل تلك الجرائم ابنة إحدى الشخصيات النبيلة في باريس حيث لم يتمكن حراس والدها الشخصية من حمايتها ووقعت ضحية في يد السفاح المجنون جان باتيست جرينوي لتلقى نفس مصير سابقاتها من الضحايا. 

ليتمكن في الأخير من تركيب أكثر العطور كمالا بتوليف الرائحة المستخلصة من إبنة النبيل و دمجه مع باقي الروائح الإثنتي عشرة المستخلصة من أجساد الضحايا. 

و أثناء رحلته للبحث عن هدفه المنشود إلتقى جرينوي بعطار يدعى "بالديني" و هو رجل عجوز متمكن من تقنيات العطارة،لكنه يعيش أفولا قاسيا في موهبته في إبتكار العطور و كان لظهور جرينوي في حياته فرصة لإسترجاع مجده الضائع حتى يتمكن من مواجهة المنافسة الشرسة لصناع العطور الباريسيين، أما بالنسبة لجرينوي فقد كانت فرصة مناسبة له ليستعرض مواهبه الشمية أمامه من أجل أن يتعلم من خبرة "بالديني" في كيفية إستخلاص العطور، فلم يتردد "بالديني" في إنتشاله من مدبغة جريمال ليوظفه كعطار متدرب في معطرته المنتصبة فوق إحدى قناطر باريس. و هكذا توطد بين الرجلين توافق حيث كان جرينوي يبتكر وصفات جديدة من العطور لفائدة "بالديني" مقابل إقتسام الأخير لمعارفه التقنية مع عطاره الشاب. 

و هكذا تمكن جرينوي من تنمية خبرته في تقنية التقطير التي تمكن من خلالها من إستخلاص روائح الأزهار، أضطر جرينوي للمكوث مدة أطول في عطارة "بالديني" لإحتياجه لشهادة العطارة التي قايض بها "بالديني" مقابل منحه لها بإبتكاره لمئات من الوصفات الإضافية تضمن "لبالديني" إستمرار رخاء معطرته بعد رحيل جرينوي. 

و في صبيحة اليوم المصاف لمغادرة جرينوي ضواحي باريس لينتقل إلى مدينة "كراس" إنهارت معطرة "بالديني" فوق رأس مالكها و زوجته. و هنا بدأت رحلة جان باتيست جرينوي نحو البحث عن أكثر الروائح تميزا من أجل إبتكار عطره السحري و معها بدأت سلسلة الجرائم المروعة التي خيمت على مدينة "كراس" بمجرد وصوله إليها حيث كانت المدينة تستفيق يوميا على جثث فتيات عذارى قد تم الفتك بهن بطريقة بشعة حيرت المحققين لتبدأ بعدها عملية البحث المكثفة عن السفاح المتسلسل الذي نشر الخوف و الهلع في جميع أنحاء مدينة "كراس". 

إكتشاف أمر السفاح جان باتيست جرينوي

بعد وصول جرينوي إلى مدينة كراس و التي تعتبر عاصمة صناعة العطور في فرنسا تمكن هذا الأخير من الحصول على عمل في معطرة السيدة أرنولفي بفضل إمتلاكه للشهادة التي حصل عليها من معلمه بالديني و التي سوف تمكنه من تعميق معارفه التقنية، و أثناء فترة إقامته في هاته المدينة إكتشف جرينوي وجود عطر ساحر  و أبلغ أثرا من رائحة تلك الفتاة الصهباء من زنقة دي ماري و هي ابنة أحد أعيان المدينة حينها تبدأ سلسلة جرائم جرينوي بغرض إستخلاص العطور الطبيعية لأجساد أربع و عشرين من أجمل فتيات المدينة العذارى، و في الأخير يتمكن من إستخلاص العطر المنشود لكن يتمكن رجل الشرطة من معرفة هوية القاتل ليتم بعدها إلقاء القبض عليه و الحكم عليه بالإعدام ليحدث بعدها شيئ غريب فعند إقتياد جرينوي إلى ساحة تنفيذ حكم الإعدام عليه قام بوضع العطر الذي قام بصناعته من روائح أربعة و عشرين ضحية ليفقد آلاف الحاضرين صوابهم من شدة روعة ذلك العطر و بفضله يغدو جرينوي بريئا في نظر جلاديه و يكتسب قداسة لدى سكان مدينة كراس. 

بعد إطلاق سراح جرينوي عاد إلى مسقط رأسه باريس و قد قادته قدماه لا شعوريا إلى مكان ولادته و هو سوق السمك و في لحظة من الإكتئاب أدرك أنه بدون عطره السحري لن يكون محبوبا بين الناس كشخص طبيعي، صحيح أن جرينوي حقق ما يصبو إليه و هو أن يكون قادرا على إستمالة محبة و عطف البشر بفضل عطره السحري و الذي لا يوجد مثيل له لكنه رغم ذلك لم يستطع تجاوز كرهه الشديد للناس و حقده عليهم. 

خاتمة

قصة السفاح جان باتيست جرينوي هي قصة مجرم غير تقليدي، رجل غريب الأطوار ينتمي إلى أكثر المخلوقات البشرية شذوذا و غرابة جنونية عرفها العالم، لم يكن تركيز جرينوي في ذبحه لضحاياه إلا لغرض واحد و هو الحصول على عطر لكائن حي كرائحة نفاذة في الأزهار و الورود فقط و التي كانت في وجهة نظره الأكثر عبقا و التي يفرزها جسم آدمي لا يماثل عطره أي جسد آخر، حيث كان يبحث في ضحيته عن تفاصيل أنثوية قابعة في ركن ما ليتحين الفرصة و ينقض على الضحية في غفلة من سكان المدينة و ينتزع من جثتها العطر و يسكبه خاما في أنفه العجيب حتى تحين الفرصة لإستخراجه و تركيبه ليصبح عطرا فريدا يباع في قنينة ناذرة لا يماثلها شيء. 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق