آخر المواضيع

الاثنين، 18 أبريل 2022

أبريل 18, 2022

الطبيب السفاح


الطبيب السفاح

من المفترض أن يكون الطبيب كالملاك في عيون مرضاه، و لطالما كان الطبيب يساعد مرضاه و يعالجهم من الأمراض و يخفف عنهم آلامهم لا أن يكون سببا في تعذيبهم و إزهاق أرواحهم و حكاية اليوم تتحدث عن شخصية غريبة و غاية في الخطورة بطلها طبيب بريطاني يدعى هارولد فريدريك شيبمان و يقال عنه أنه واحد من أشهر السفاحين في تاريخ بريطانيا، حيث قام بقتل 250‪  شخصا من مرضاه خلال 18 سنة من مزاولته لمهنة الطب حيث كان يقوم بقتلهم عن طريق حقنهم بمواد كيميائية بكميات كبيرة قاتلة تؤدي إلى وفاتهم على الفور.
ولد الطبيب السفاح هارولد فريدريك شيبمان في مدينة توتنغهام البريطانية عام 1946، و عندما بلغ هارولد السابعة عشرة من عمره إلتحق بجامعة ليدز لطب عام 1965 و هناك قابل السيدة بريمروز التي أصبحت فيما بعد زوجته عام 1966 و التي رزق منها بأربعة أولاد.
في عام 1970 تخرج من كلية الطب و بدأ حياته المهنية في أحد المستوصفات في مدينة صغيرة جنوب ليدز و في هذا المستوصف بدأت سلسلة جرائمه المتتالية و التي دامت لمدة ثمانية عشرة سنة من قتل الناس بدم بارد و دون أن يرف له جفن. 
بعد ذلك عمل كطبيب في تودمودرن غرب يوركشاير عام 1974و في عام 1975 تم إكتشاف ضلوعه في عمليات تزوير لوصفات طبية لمادة الباثيدين و هو عقار مخدر كالمورفين حيث تبين أنه كان يتم إستخدامه لفائدته الشخصية فقاموا بإرساله إلى مصحة مكافحة الإدمان في مدينة يورك، و بعد تخلصه من إدمانه و شفائه عاد للعمل كطبيب مرة أخرى في إحدى مستشفيات هايدي بالقرب من مدينة مانشستر عام 1977 و قد إستمر في هذا العمل خلال فترة الثمانينات حتى إفتتح عيادته الخاصة عام 1993. 
مرت الأيام و الشهور و السنين و هو يمارس مهنة الطب التي كان من المفروض أن تكون مهنة نبيلة و إنسانية قبل كل شيء دون أن يكتشف أمر ضلوعه في حوادث وفيات حدثت في المستشفى الذي يعمل فيه لكن في عام 1998 بدأت تحوم حوله الشكوك و ذلك بسبب نسبة الوفيات العالية التي تحدث لمرضاه و خاصة النساء اللواتي تكن في سن متقدم، و رغم ذلك لم تتمكن الشرطة من إيجاد دليل واحد يدين هارولد بقتل مرضاه و في ذلك الوقت كان الطبيب السفاح يواصل سلسلة قتل ضحاياه من المرضى حيث أنه قام بقتل ثلاثة نساء خلال الشهور التالية قبل أن يتم القبض عليه من طرف رجال الشرطة. 
كانت آخر ضحاياه إمرأة تدعى كاثلين كراندي و التي كانت تشغل في السابق منصب رئيس البلدية حيث تم العثور عليها ميتة في بيتها في الرابع و العشرين من يونيو عام 1998 و كان آخر شخص يراها قبل وفاتها هو الطبيب هارولد و الذي وقع على شهادة وفاتها أيضا. 
بدأت الشكوك تحوم حول هارولد عندما إكتشفت إبنة كراندي آخر ضحاياه أن والدتها منحت في وصيتها مبلغ من المال تقدر قيمته بحوالي 386000 جنيه إسترليني إلى هارولد، مما جعلها تذهب إلى الشرطة التي بدأت في التحقيق المكثف حول الطبيب السفاح، و أثناء تشريح جثة كراندي تم العثور على مادة  الديامورفين و هو عقار يصنف كالهيروين و لكنه مسموح في بريطانيا و يوصف لتخفيف الآلام. 
بعد جمع الأدلة اللازمة و التي تبين فيها ضلوع الطبيب هارولد في العديد من الجرائم و من بين تلك الأدلة العثور على آلة طباعة و التي أستخدمت في طباعة وصية كراندي التي قام بتزويرها و هنا تم إلقاء القبض على الطبيب السفاح هارولد حيث قامت الشرطة أثناء إستجواب هارلود بفتح ملفات مرضاه الآخرين خلال سنوات عمله كطبيب حيث توصلوا إلى الطريقة التي كان يستخذمها في قتل ضحاياه، حيث تبين أنه كان يقوم بحقن ضحاياه بمادة الديامورفين و التي تصبح قاتلة إذا أعطيت بكميات كبيرة و كان يقوم بالتوقيع على شهادة وفاتهم و بعدها يقوم بتزوير السجلات الطبية ليظهر ضحاياه على أنهم كانوا يعانون من المرض الشديد و أن إحتمالية شفائهم منعدمة. 
في الخامس من شهر أكتوبر من عام 1999 بدأت محاكمة هارولد حيث أدانت المحكمة هارولد بقتله خمسة عشرة جريمة قتل للفترة من 1995 حتى عام 1998 و أدين بها جميعا في عام 2000.
تم الحكم على هارولد بالسجن مدى الحياة نظرا لكون عقوبة الإعدام ملغاة في بريطانيا من دون أي حق بطلب التخفيف، لكن هارلود أنكر جميع التهم الموجهة إليه و أن تلك الجرائم المنسوبة إليه لم يقم بإقترافها و نتيجة لصدور الحكم النهائي تم إغلاق التحقيق في القضية. 
على الرغم من أن المحكمة قد أعطت حكمها النهائي في حق الطبيب السفاح هارولد فريدريك شيبمان و القاضية بالسجن مدى الحياة مع عدم إمكانية التخفيف إلا أن الكثير من الناس رأو أن هذا الحكم لم يكن عادلا في حقه كونه قام بقتل المئات من الضحايا الأبرياء خلال مسيرته المهنية. 
يعتقد البعض أن سبب قيام طبيب مثل هارولد بالقتل راجع ربما إلى طفولته حيث يتعلق الأمر بتجربة عايشها في طفولته و هو وفاة والدته بسبب المرض مما ترك لديه عقدة نفسية، بينما يرجح البعض الآخر أن هارولد كان مولعا بإجراء التجارب على العقاقير الطبية المخدرة و أنه كان يطبقها على مرضاه، و يعتقد آخرون يعتقد أنه قام بكل تلك الجرائم من أجل المال و خاصة بعد العثور على بعض المجوهرات و التي كانت تعود للضحايا، إلا أن السبب الحقيقي وراء تحول طبيب كان من المفترض أن يكون سببا في شفاء الناس من آلامهم إلى مجرم خطير يفتك بمرضاه بدم بارد مجهولا خاصة و أن هارولد نفسه لم يعترف بإرتكابه بتلك الجرائم حتى في آخر أيامه حيث عثر عليه منتحرا زنزانته في صباح يوم ١٣ يناير من عام 2004 حيث أقدم على شنق نفسه بواسطة غطاء السرير. 

الجمعة، 18 مارس 2022

مارس 18, 2022

الملكة ماري أنطوانيت و الثورة الفرنسية


ماري أنطوانيت

ليس هناك من شك أن التاريخ قد دون في صفحاته شخصيات نسائية كان لهن دورا بارزا في تغيير مجرى التاريخ و من بين هؤلاء النسوة شخصية شهيرة ساهمت في وقوع حدث بالغ الأهمية في فترة من الزمن و قد عرف ذلك الحدث المهم قيام أكبر ثورة في التاريخ و التي تعرف بالثورة الفرنسية حيث تجاوزت أثاره حدود فرنسا تاركة ورائها بصمة واضحة على الفكر الإنساني بأسره حيث شكلت الثورة الفرنسية عاملا فعالا في تغيير مسار حركة التاريخ و إبراز ملامح مستقبل الإنسان بطريقة مذهلة و ينذر أن تتكرر، و الشخصية النسائية التي كانت مسؤولة عن هذا التغيير هي ماري أنطوانيت.

ولدت ماري أنطوانيت عام ١٧٥٥ في قصر هوفبرغ بفيينا و هي أصغر أبناء ماريا تريزا إمبراطورة النمسا ووالدها الإمبراطور فرانسيس الأول.

عاشت فترة صباها حرة مدللة في وسط أبهة البلاط الإمبراطوري الفاخر حيث تتمتع بكل أنواع الرفاهية و قد حملت لقبا نبيلا و هو الأرشيدوق، كان ينظر إليها على أنها زهرة البلاط الذي يطلب الجميع ودها و يسعون لنيل رضاها.

عندما بلغت ماري أنطوانيت سن الرابعة عشرة كانت على موعد مع القدر الذي رسم لها حيث لم تكن تدرك أنه بزواجها تكون قد فتحت بداية فصل من فصول مأساتها، ففي تلك السن الصغيرة ذهبت ماري أنطوانيت إلى فرنسا كزوجة لولي عرش فرنسا فقد كان زواجا سياسيا و ذلك من أجل توطيد التحالف الجديد مع عدو النمسا القديم فرنسا بعد مفاوضات طويلة تم التوصل فيها إلى خطوبة ماري أنطوانيت بولي عهد فرنسا لويس السادس عشر ليتم بعدها عقد قرانها بلويس السادس عشر و الذي تولى بعد وفاة والده لويس الخامس عشر عام ١٧٧٤ الحكم.  ففي التاسع عشر من إبريل عام ١٧٧٠ في عرض مهيب يجره سبع و خمسين عربة، تركت ماري أنطوانيت فيينا نهائيا على الرغم من أن  واجبها أن تنسى أصولها النمساوية لكي تصبح فرنسية حقيقية روحا و جسدا كما كان ينتظر من كل ملكة قرينة فرنسا.

ماري أنطوانيت في سن الرابعة عشر

كانت ماري أنطوانيت إمرأة تتمتع بالرقة و البساطة ترفض التكلف و تهوى الإنطلاق في الحقول و مطاردة الفراشات و جمع الزهور الناذرة، كان طابع البلاط الفرنسي يتميز بكثرة الدسائس و المؤامرات مما إختلط الأمر على ماري أنطوانيت و وقفت عاجزة عن مجارات النبلاء الفرنسيين في لعبة المكر و الدهاء. و قد أصبحت ماري أنطوانيت بعد فترة من مجيئها إلى قصر فرساي بفرنسا مكروهة جدا حيث تعرضت في بعض المرات للتأنيب بسبب إسرافها المفرط في الأموال على ملذاتها التي كانت تسرف من البلاط و عدم إعطائها أهمية للأزمة المالية التي تعاني منها فرنسا. 

أما لويس السادس عشر فقد كان يتمتع بجثة ضخمة لكنه كان صاحب شخصية خجولة، بليد الفكر و ضعيف الشخصية لدرجة أن ماري أنطوانيت كانت بكل ضعفها أقوى منه.

لويس السادس عشر

إتسمت الفترة الأولى من إعتلاء لويس السادس عشر العرش و توليه زمام الحكم بحدوث تجاوزات من طرف الطبقة النبيلة و الأرستقراطية و رجال الكنيسة التي كانت تشكل إستفزازا صريحا و لا يحتمل لدى الشعب الفرنسي مما خلق أزمة إقتصادية كان ضحيتها الطبقة الفقيرة التي كانت تعاني من الجوع و الفقر المدقع غير آبهين بمعاناتهم و من هنا بدأت بوادر الثورة الفرنسية تلوح في الأفق و تنتظر شرارة واحدة فقط لإشعالها، إلا أن الشعب أراد التريث و منح فرصة جديدة لملكهم ووضعوا أمامه فرصة تاريخية من أجل أن يقود الثورة لكي تتحول فرنسا إلى الملكية الدستورية بدلا من الملكية المطلقة غير أن لويس السادس عشر لم يستطع أن يفهم القوى الليبرالية و الديمقراطية في عصره و بذلك لم يتجاوب معها و كانت النتيجة عجز لويس السادس عشر عن الحيلولة دون إنفجار الثورة رغم أن ذلك كان ممكنا في ضوء ثقة الشعب فيه و تمسكه بشرعيته كملك لفرنسا.

كانت علاقة ماري أنطوانيت بزوجها لويس السادس عشر يغلب عليها طابع من الفتور العاطفي مما فتح ذلك بابا للشائعات التي باتت تحوم حول زوجته بإقامتها علاقات غير شرعية مع الكثيرين، و مع كثرة المكائد التي كانت تحاك داخل البلاط  حاول الشعب الفرنسي أن يحمل مسؤولية الإحباط الذي شعر به تجاه ملكه لويس السادس عشر إلى ماري أنطوانيت و السبب راجع إلى كونها من أصل نمساوي و ليست فرنسية مما زادت الأقاويل حول تآمرها مع رجال البلاط و أفراد الطبقة الأرستقراطية على الرغم من أن التاريخ قد إحتفظ لها بجملة كانت تدل على رؤيتها المستقبلية للأوضاع التي ستؤول إليه البلاد و هي أن النبلاء سيدفعونهم إلى الهلاك هذه الكلمات كانت تحدد رؤيتها الواعية للأحداث. 

كان حكم لويس السادس عشر في الفترة الأولى قبل قيام الثورة ما بين عامي ١٧٧٤ و ١٧٨٩ يتميز بزيادة سلطة النبلاء و نفوذ الطبقة الأرستقراطية و كان هدف الثورة في البداية هو الإنتقال إلى الحكم الدستوري لكن لويس السادس عشر لم يستجب لمطالب شعبه الرامية إلى إنهاء الملكية المطلقة و التحول إلى الدستورية و قد قيل أن رفضه لمطالب شعبه كان برغبة من زوجته ماري أنطوانيت التي كانت ترى أنه من الضروري قمع الثورة في بدايتها بيد من حديد، إضافة إلى تعرض لويس السادس عشر للضغوط من طرف النبلاء الذين أعربوا عن إستيائهم من تزايد قوة الشعب. 

إلا أن بعض المؤرخين يرون أن السلوكيات غير المدروسة من طرف ماري أنطوانيت هي التي قضت على هيبة الحكم و أتاحت المجال أمام الرعاع لكي يتطاولوا على ملكهم و طبقة الأشراف و أنها تتحمل مسؤولية إنفجار الثورة. 

في الخامس من مايو عام ١٧٨٩ حاول الملك لويس السادس عشر تهدئة الشارع بإصداره مرسوما يقضي بتشكيل مجلس تشريعي جديد في فرنسا بعد خمسة عشرة عاما من الحكم المطلق، و قد رأى الشعب في ذلك خطوة جيدة و إنطلاقة جديدة نحو الحرية و الديمقراطية غير أن طبقة النبلاء حالت دون حدوث ذلك حيث إستغلت ضعف شخصية الملك لويس السادس عشر و ضغطت عليه لإيقاف هذا التوجه الذي رأو فيه أنه يتعارض مع توجهاتهم و يهدد مصالحهم. و أدت تلك الضغوطات إلى نتيجة حيث تمكنت من إبعاد الملك من الإقدام على أية خطوة نحو الإصلاحات، و هنا أدرك الشعب أن ملكهم ينحاز إلى الطبقة الأرستقراطية إنحيازا مطلقا و أن طبقة النبلاء قد تمكنت من إستقطاب الملك في صفهم و أنهم نجحوا في ذلك. و هنا إشتعلت شرارة الثورة التي سوف تضع حدا لإستبداد الطبقة النبيلة و الأرستقراطية و إسقاط الملكية في البلاد. 

في يوليو عام ١٧٨٩ إنفجر الموقف في باريس و خرج عامة الشعب إلى الطرقات رافضين عدم إتخاذ ملكهم أي موقف إتجاه قضيتهم و مطلبهم الرامية إلى الحرية و الديمقراطية و هم يدمرون أي شيء تقع عليه أعينهم، كما هاجموا مخازن السلاح الملكية و توجه أكثر من مائة ألف مواطن إلى سجن الباستيل الرهيب الذي سقط بعد هجوم دام لخمس ساعات. 

إندلاع الثورة الفرنسية

في أكتوبر حاصرت جموع غفيرة من الشعب قصر فرساي رغبة منهم في مقابلة ملكهم لويس السادس عشر حيث دخل وفد منهم لمقابلة الملك و إنتهت نتيجة المقابلة بإعطاء الملك وعدا لهؤلاء الوفود بأن مطالبهم سوف يتم النظر و أخذها بعين الإعتبار فخرجوا من القصر و هم يهتفون و يتوعدونه بحياته لكن الحشود عادت مرة أخرى بعد أن علمت أن الملك غير صادق في وعوده و عندما أحست ماري أنطوانيت بخطورة الوضع طلبت من زوجها لويس السادس عشر بالهروب لكن ه كان عاجزا  حتى عن الهروب فوصفته ماري أنطوانيت بأنه رجل مسكين لأنها أدركت أن الغضب موجه ضدها بعد أن بدأت الجماهير تهتف بشعار الموت للنمساوية.

بعد أن فقد الملك لويس السادس عشر السيطرة على الأوضاع التي آل إليها الشارع الفرنسي و تهدئة الشعب الغاضب و الذي أدى في نهاية المطاف إلى إندلاع الثورة و بات من الصعب تهدئة الحشود الغفيرة الغاضبة و عمت الفوضى في كل أرجاء فرنسا و هنا حدثت تلك المواجهة و التي عرفت بالتاريخية بين كل من ماري أنطوانيت و خطيب الثورة الفرنسية و أحد أبرز قاعدتها ميرابو و هي المقابلة التي وضحت بجلاء قدرة ماري أنطوانيت على إقناع محديثيها و السيطرة عليهم حتى و لو كانوا على قد من الذكاء أمثال الزعيم ميرابو. 

ساهم هذا اللقاء الذي إستمر لساعة كاملة في إنقاذ الملكية في فرنسا حيث إستطاعت ماري أنطوانيت بإقناع زعيم الثورة الفرنسية ميرابو بوجهة نظرها، و لكن بموته يكون بذلك قد ذهب معه الضمان بإستمرارية الملكية حينها لم يكن لدى ماري أنطوانيت أي خيار آخر سوى الهرب مع زوجها و أولادها الثلاثة و التى باءت بالفشل. 

حاصر المتظاهرون قصر فرساي في يونيو عام ١٧٩٢ هاتفين بشعارات"تحيا الأمة" و أندفعوا إلى داخل القصر حيث ألبسوا لويس السادس عاشر قبعة جماعة اليعقوبيين الحمراء الشهيرة، و في تلك اللحظة بكى لويس السادس عشر عندما شاهد هذه القبعة على رأسه و أخبر ماري أنطوانيت بأنه لم يحضرها من النمسا لكي تشهد ذله و هوانه هكذا. 

حشود غفيرة تجمهرت أمام قصر فرساي

في الواحد و العشرين من شهر سبتمبر تم تجميد سلطات الملك و إعلان الجمهورية الفرنسية الأولى و بدأت المطالبة بتخلي الملك عن عرشه بعد أن أصدرت في حقه تهمة خداع الأمة، و قد كان الخيار الذي طرح صراحة على الملك لويس السادس عشر هو التخلي عن العرش أو الموت، في ذلك الوقت كان لويس السادس عشر قد طلب من رئيس البرلمان توفير الحماية و قد كان هذا الأخير قد طمأنه لكن في الثالث من شهر ديسمبر من عام ١٨٩٢ تقرر محاكمة لويس السادس عشر بعد أن وجهت إليه تهمة الخيانة و تم الحكم عليه بالإعدام في الثامن عشر من شهر يناير عام ١٨٩٣ و نفذ فيه الحكم بالمقصلة في ميدان الثورة بباريس يوم الحادي و العشرين من يناير. 

خلال تلك الفترة شهدت فرنسا ما سمي بعد ذلك بعهد الإرهاب و تم إعدام الألوف من أفراد طبقة النبلاء و أيضا الكثيرون من الأبرياء. 

تنفيذ حكم الإعدام على لويس السادس عشر

بعد تنفيذ حكم الإعدام في حق لويس السادس عشر أصبحت ماري أنطوانيت حزينة جدا و فقدت أحاسيسها في لحظة إعلان حكم إعدامها هي و أولادها، كانت ماري أنطوانيت ملكة قوية تحتمل و تصبر و كانت أما حنونا تشعر بأبنائها و كانت ملكة ذات عز و بأس و قوة، في السجن تحول شعرها الجميل إلى أبيض متجعد و هي في سن صغير و قام حراس السجن بقص شعرها و إلباسها ملابس رديئة في فترة مكوثها في السجن قبل تنفيذ حكم الإعدام في حقها. 
كانت حياة ماري أنطوانيت حافلة بالمغامرات المثيرة و لعل أهم تلك المغامرات هي قصة علاقتها المثيرة بالسياسي السويدي النافذ الكونت أكسل فون فيرسن و التي تشير إلى إحتمال أن تكون إبنتها صوفي التي توفيت في سن مبكرة ثمرة لهذه العلاقة غير الشرعية، فقد عثر على بعض الرسائل التي كانت موجهة لماري أنطوانيت حيث كتب فيه الكونت الهائم في حب الملكة في إحدى رسائله "أحبك، و سأحبك بجنون طيلة حياتي" في حين كانت ماري أنطوانيت تبادله الرسائل حيث قالت في إحدى رسائلها تصفه فيها بأنه أكثر الرجال إظهارا للحب و إستحقاقا له و تخبره بأن قلبها بالكامل ملك له.
و مع أن بعض المؤرخين يقولون أن الرسائل الوحيدة المتبادلة بين الكونت أكسل فون فيرسن و الملكة ماري أنطوانيت كانت تتعلق بمسائل سياسية حصرا إلا أنه في الآونة الأخيرة قد بدأ الكشف عن حقائق تلك الرسائل و التي بينت الأبحاث التي قام بها الباحثون عن وجود علاقة حب بين ماري أنطوانيت و الكونت السويدي أكسل فون فيرسن و التي دامت لعشر سنوات و لكنها كانت سرية، حيث إعترفت فيها ماري أنطوانيت بحبها لفيرسن بواسطة رسالة كتبت بالحبر الأسود و قد كان تأريخ الرسالة في اليوم الرابع من عام ١٧٩٢ أي أنها كتبت بعد ستة أشهر من محاولة الكونت السويدي أكسل فون فيرسن تخليص ماري أنطوانيت و زوجها و نقلهما إلى خارج باريس  و التي إنتهت تلك المحاولة بالفشل. و الذي أدى في النهاية إلى موت الملك لويس السادس عشر بإعدامه بالمقصلة لتليه بعد ذلك الملكة ماري أنطوانيت. 
ماري أنطوانيت و عشيقها الكونت أكسل فون فيرسن

كان يوم محاكمة ماري أنطوانيت مشهدا حيا للغدر و نكران الجميل فقد شهد ضدها أقرب أصدقائها و إتهموها بكل الشرور و الموبقات لتنتهي بذلك المحاكمة كما كان مقررا لها من قبل بصدور حكم الإعدام بالمقصلة في حق ماري أنطوانيت، ففي صباح يوم السادس عشر من شهر أكتوبر عام ١٨٩٣ صعدت ماري أنطوانيت المنصة وسط حشد هائل من الجماهير القاضية و كان آخر ماسمعت قبل تنفيذ الحكم هو هتاف الموت "للنمساوية" و هوت سكين المقصلة على رقبة ماري أنطوانيت لتنهي حياتها و بذلك يكون قد إنتهت قصة إمرأة إرتبط إسمها بالمجد و المعاناة  و الدموع.
تنفيذ حكم الإعدام على ماري أنطوانيت







الخميس، 24 فبراير 2022

فبراير 24, 2022

الجثة المجهولة


الجثة المجهولة

جريمة نكراء رسمت ملامحها في غياهب الغابات حيث تقبع في عمقها جثة مجهولة قتلت بطريقة بشعة و رميت في أعماق  الغابة، تم إكتشاف الجثة بالصدفة عن طريق شاب كان يمارس رياضة الجري في عين المكان ليتفاجأ بوجود إمرأة مرمية على الأرض، لكنه في البداية لم يكن يدرك الحقيقة المروعة التي ستصدمه بمجرد الإقتراب منها، كان وقع الصدمة كبيرا فقد كانت جثة إمرأة مقتولة و مرمية في وسط الغابة و لكنها كانت جثة مقطوعة الرأس. 

توجه الشاب على جناح السرعة إلى مركز الشرطة للتبليغ عن الجثة و في الحال كان رجال التحقيق في عين المكان لمعاينة مسرح الجريمة و هنا بدأت التحقيقات في حيثياتها، حيث تم نقل الجثة إلى مصلحة حفظ الجثث أين تم تشريحها و رفع بصماتها للتعرف على هوية الجثة، و بالفعل تمكن الطب الشرعي من التعرف على هوية الجثة و أين تقيم و بمجرد أخذ جميع البيانات المتعلقة بالجثة توجه رجال الشرطة إلى مقر سكنى عائلتها حيث تم  إبلاغهم بالعثور على جثة إبنتهم، و هنا تنقل أخ ووالدة القتيلة إلى مركز الشرطة من أجل أخذ المعلومات اللازمة عنها حيث أفادت الوالدة بأن أبنتها كانت مطلقة و لديها ولد صغير و قد كانت تقيم معها في نفس البيت، و بعد الإنتهاء من تدوين المحضر أخذ رجال الشرطة صورة متعلقة بالضحية من أجل مساعدتهم في عملية التحقيق و بعدها قادوا والدة القتيلة و أخاها إلى مصلحة حفظ الجثث من أجل التعرف على الجثة و بالفعل تم التعرف عليها من طرف والدتها حيث أكدت أن الجثة تعود لإبنتها و هي ترتدي نفس الملابس التي رأتها فيها أمها آخر مرة قبل مغادرتها. 

حسب أقوال والدتها فقد كانت القتيلة تعيش معها بعد طلاقها من زوجها، لكن الغريب في الأمر أن الأم و الأخ لم يكونا يعرفان طبيعة العمل الذي تقوم به المجني عليها لكن التحريات أفضت إلى أن الضحية كانت تعمل في أماكن غير أخلاقية كالحانات و المراقص و ما شابه ذلك، و أثناء تحقيقات رجال الشرطة في تلك الأماكن صادفوا فتاة ترتاد تلك الأماكن مرات عديدة بحكم عملها هناك، و قد عرض البوليس عليها صورة القتيلة للتعرف عليها و بالفعل كانت الفتاة تعرف القتيلة و أخبرتهم أنها كانت ترتاد المكان دائما مع أحد الرجال و أعطتهم إسم ذلك الشخص، و هنا بدأ المحققون يبحثون عن هذا الشخص و قد أسفرت نتائج البحث تلك عن أن ذلك الرجل يعمل في الممنوعات و قد دخل السجن عدة مرات، تم إلقاء القبض عليه و أقتادوه إلى مركز الشرطة من أجل إستجوابه حيث أخبر الشرطة بأنه يعرف القتيلة و لكنه لا يعلم ما الذي حدث لها و أنها كانت تأتي معه إلى هذا المكان ثم تذهب في حال سبيلها و لكن مؤخرا لم تعد تأتي و لم يرها منذ أيام و انه قد إتصل بها عدة مرات لكنها لم تجب على مكالماته. بعدما أخذ المحققون إفادة الرجل ذهبوا إلى منزله من أجل عملية التفتيش و قد أسفرت العملية عن إيجاد هاتف محمول يعود للضحية لكن الرجل أخبرهم بأن هذا الهاتف هو من قام بشرائه للقتيلة و عادة ما تتركه عنده، قام رجال الشرطة بالحجز على هاتفه و هاتف الضحية لكن الرجل أخبرهم بأن الضحية تكون صديقته و قد تعرف عليها في الحانة، كما تم أيضا سؤاله عن سبب الخدوش الذي في جسده فأخبرهم بأنه قد تعارك مع أحدهن في الحانة فتنقل رجال الشرطة إلى عين المكان لتأكد من صحة إدعائه إلا أن العمال في ذلك المكان نفو حدوث أي شجار و هنا بدأت الشكوك تحوم حوله، و لكن لإنعدام الأدلة الكافية التي تدينه أخلت الشرطة سبيله مع إمكانية إستدعائه مرة أخرى في حال ظهر جديد في القضية. بعد بحث مطول في ملابسات القضية إكتشف المحققون أن القتيلة قد إتصلت بالمشتبه به و من المحتمل أنها قد إلتقت به قبل يوم من مقتلها فتم إستدعاء الرجل مرة أخرى لإستجوابه بعد أن ظهر في القضية طرف ثاني و هو صاحب السيارة التي تم نقل الجثة فيها و بعد ضغط كبير على المشتبه من قبل المحققين إعترف الرجل بالجريمة و بأن صديقه صاحب السيارة هو من قام بقتل المرأة و هو قام بنقل الجثة فقط لكن الحقيقة تقول غير ذلك فقد تبين أثناء التحقيق أن المشتبه الأول في القضية كان يكذب في أقواله و قد أراد إلصاق التهمة بشريكه مقابل مبلغ من المال و بعد الضغط على المتهم مع وضعه تحت الأمر الواقع أمام الدليل الذي وجد في أظافر القتيلة و التي تثبث ضلوعه في الجريمة إعترف أخيرا بذنبه و أنه من قام بقتل المرأة بعد خلاف حاد دار بينهما، حيث كانت القتيلة ترغب في ترك العمل و بدأ حياة جديدة مع طفلها الصغير بعيدا عن هذا الوسط القذر، لكن كان للقاتل رأي آخر، فقد كانت فكرة تركه و الذهاب دون رجعة أمرا مرفوضا و غير مقبول فقد كان يرفضه رفضا قاطعا مما أدى إلى عراك شديد و الذي أودى في النهاية إلى موت المرأة و في تلك اللحظة لم يكن القاتل يدرك حجم فعلته فلم يكن يعتقد أن تلك الضربة القوية ستقضي عليها و تجعلها جثة هامدة، و بينما هو في غمرة تفكيره في كيفية التخلص من الجثة، قدم صاحب السيارة إلى منزل الجاني و رأى الجثة مرمية على الأرض فطلب منه الجاني مساعدته في نقل الجثة و رميها في الغابة و هنا قاما بقطع رأسها و دفنه في مكان ما من الغابة و تركا الجثة مرمية وسط الغابة بدون رأس حتى لا يتمكن أحد من التعرف على هويتها، إنتهت قضية الجثة مقطوعة الرأس بعد أن تم التعرف على الجاناة و إعترافهم بما إقترفته يداهم و قد حكمت المحكمة على الجاني بالسجن مدى الحياة أما شريكه فقد حكم عليه بالسجن لمدة خمسة و عشرون سنة لتستره على الجريمة و مساعدة الجاني في طمس ملامح الجريمة و قبوله مبلغ من المال، لتطوى بذلك ملف قضية الجثة المجهولة بعد أن نال المجرمين عقابهم العادل جزاء ما إقترفته يداهم. 


الأربعاء، 9 فبراير 2022

فبراير 09, 2022

سفاح الكرة الحديدية


سفاح الكرة الحديدية

حكاية اليوم تتحدث عن جريمة بشعة حدثت لحارس ليلى في الخمسينيات من العمر، كان يزوال عمل الحراسة في إحدى الأحياء المرموقة نظرا لوجود العديد من الفيلات حيث كان يقوم بالحراسة ليلا و في الصباح يعود إلى بيته و أهله و هكذا دواليك و في أحد الليالي المظلمة و بينما كان يجلس كعادته يحرس المكان لاحظ شخصا غريبا يحوم في الأرجاء فاقترب منه ذلك الشخص المجهول و سدد نحوه ضربة قوية على الرأس بواسطة أداة حادة أردته قتيلا تاركا إياه مرميا على الأرض وسط بركة من الدماء، بعد  إكتشاف جثة الحارس إستدعي رجال الشرطة إلى عين المكان للتحقيق في ملابسات الجريمة لكن المفاجأة هي أن الجاني كان ذكيا و محترفا نظرا لكونه لم يترك أية أدلة تقود إليه، و نظرا لكون القضية لم تسفر عن أية نتائج أو أدلة تقود إلى هوية القاتل قررت المحكمة عدم البث في هذه القضية مبدئيا نظرا لعدم وجود أدلة و في حالة ظهور أدلة سوف يتم إستئناف القضية.
مضت على قضية الحارس المغدور حوالي شهر تقريبا، لتعود نفس الأحداث المروعة للظهور من جديد فقد عثر على جثة حارس آخر كان يحرس معملا و هو مضرجا بدمائه و كان قد تعرض لعدة ضربات قوية على مستوى الرأس كانت طريقة القتل مشابهة للقضية الأولى و هنا أيقن رجال الشرطة أنهم أمام قضية معقدة و أمام قاتل متسلسل ينفذ جريمته بطريقة إحترافية غير تاركا وراءه أية أدلة تقود المحققين إلى هويته.

هتان الجريمتان المنكرتان حيرت رجال الشرطة، و هنا بدأت التحقيقات مع جميع الناس و المعارف المقربين من الضحيتين لمعرفة ما إذا كانت لديهم عداوة مع أحدهم كانت سببا في فقدان حياتهما بتلك الطريقة البشعة، لكن كل تلك المحاولات باءت بالفشل و لم يتمكن المحققون من الوصول إلى أية نتيجة.
و هنا بدأت حملات تحذير و تنبيه واسعة في الليل للحراس من أجل أخذ الحيطة و الحذر من هذا القاتل المتسلسل الغامض الذي يقوم بتصفية الحراس ليلا. 
بعد مرور أربعين يوما عن الجريمة الثانية، عادت مرة أخرى سلسلة تلك الجريمتين للظهور من جديد و الضحية هذه المرة كان حارسا يعمل في أحد أسواق الخضروات حيث عثر عليه مقتولا بنفس الطريقة التي قتلت فيها الضحيتين السابقتين، لكن الغريب في الأمر هذه المرة هو كيف تمكن القاتل من فتح باب السوق و قتل الضحية و هنا توصل رجال الشرطة إلى إجابة و هي كون الضحية على معرفة بالجاني و هو من قام بفتح الباب له، و ما يؤكد صحة الفرضية هي أقوال أحد شهود العيان و هو بائع في تلك السوق حيث أخبر المحققين أن الحارس يقوم بغلق باب السوق أثناء قيامه بمناوبته الليلية كما أفاد الشاهد أيضا أنه في أحد المرات شاهد رجلا طويل القامة و على يده وشم يجلس مع الحارس ظنا منه أنه يكون أحد معارفه. 
و هنا بدأت عملية البحث و التحري عن ذلك الشخص صاحب الوشم الذي كان يجلس مع الضحية الأخيرة، لكن دون جدوى فكل الجهود المبدولة في البحث عن الجاني لم تأتي بأية نتيجة و الغريب في الأمر أن القاتل لم تكن دوافعه السرقة و إنما هدفه الوحيد كان القتل و فقط و كان يستهدف بشكل محدد الحراس المناوبون في الليل. 
مرت أيام و شهور دون أي جديد في القضية الغامضة، إلى أن أتي يوم بدأت فيه ملامح القضية في الإنكشاف بعد حصول أحد رجال الشرطة على معلومة قيمة من أحد الأشخاص كان قد تعرض لمحاولة قتل من طرف شخص كان يعرفه و يجلس معه و يتبادلان معا أطراف الحديث و أن تلك الحادثة مرت عليها سنتين أو أكثر و عوقب المجرم لكنه فيما بعد أطلق سراحه بعد أن أكمل محكوميته، و المصادفة الجميلة في القصة كلها أن الأداة المستخدمة في محاولة القتل تلك كانت كرة حديدية مربوطة بواسطة جوارب، هنا عادت التحقيقات من جديد حيث توجه رجال الشرطة إلى الناجي من عملية القتل لطرح بعض الأسئلة عليه و بالفعل بدأ المحققون في أخذ الأقوال حيث طلب منه إعطاء وصف دقيق للرجل الذي قام بمحاولة قتله، و بطبيعة الحال بدأ الناجي بوصف الرجل حيث كان المجرم رجلا طويل القامة مع مواصفات أخرى و كان رجال الشرطة في إنتظار إفصاحه عن وجود وشم في يده ليأتي التأكيد أخيرا بأن الرجل الذي حاول قتله كانت لديه علامات في يده مثل الوشم و هنا أدرك المحققون أنهم على بعد خطوة قليلة من الإمساك بالجاني الذي حيرهم منذ مدة. 

توجه رجال الشرطة إلى بيت ذلك الرجل و كان الوقت حينها ليلا ففتحت الباب شقيقته فأخبرها رجال الشرطة أنهم من الأمن و يودون مقابلة شقيقها لكن الأخت أخبرتهم بأن أخاها لم يعد بعد و هنا قرر رجال الشرطة بعدم المغامرة و مغادرة المكان فقد وضع المحققون في ذهنهم أنه إذا علم الرجل بأن رجال الشرطة قد أتت إلى بيته بحثا عنه فقد يحاول الهرب، و هنا طلب رجال الشرطة من شقيقته إعطائهم صورة لأخيها لكنهم في الأخير عثروا على الرقم الخاص ببطاقة هويته و هنا إتصل المحقق بمكتب التحقيق و طلب منه القيام بالبحث عن هذا الشخص و كانت المعلومات المقدمة لرجال الشرطة تثبث تورط هذا الرجل في العديد من القضايا كالسرقة و الضرب و غيرها من الجنايات فقد كان يمتلك سجلا إجراميا بإمتياز. 

و في الأخير تم إلقاء القبض على المتهم في قضايا القتل المتسلسلة التي راح ضحيتها ثلاثة حراس أبرياء، و تم إقتياد المتهم إلى مركز الشرطة للتحقيق معه و أخذ أقواله لكن المتهم كان ينفي كل الجرائم الموجهة إليه لكن رجال الشرطة كانوا يواجهونه بالأدلة الدامغة التي تم العثور عليها في منزله و من بينها سلاح الجريمة و الذي كان لا يزال عالقا عليه بقع دماء تعود للضحايا، بعد مواجهة المحققين للمتهم بالأدلة التي تم العثور عليها و التي تثبث ضلوعه فيها أقر المتهم بجرائمه و أخبرهم عن دوافعه التي جعلته يرتكب مثل تلك الجرائم، ليتم في الأخير غلق ملف هذه القضية التي حيرت المحققين و في النهاية وجدت المحكمة الجاني مذنبا حسب الأدلة الموجودة و التي تثبث كل الجرائم المنسوبة إليه و يتم الحكم عليه بعقوبة الإعدام. 



الاثنين، 24 يناير 2022

يناير 24, 2022

صانع العطور جان باتيست جرينوي أغرب سفاح نساء في تاريخ فرنسا



صانع العطور جان باتيست جرينوي أغرب سفاح نساء في تاريخ فرنسا

هو سفاح من نوع خاص جدا، و ما كان يفعله لم يسبقه إليه أحد من سفاحي التاريخ القديم و الحديث، شخصيته كانت في غاية الغرابة، و دوافعه كانت كشخصيته في غاية الغرابة أيضا، أما جرائمه فلا يزال العالم يتذكره بإعتبارها الأغرب في تاريخ الجريمة لدرجة أنها أكثر الجرائم التي تحولت لأعمال أدبية و سينمائية عالمية.

هذا السفاح لم يكن يقتل النساء من أجل المتعة و لم يكن يبحث عن اللذة كغيره من المجرمين، و إنما كان الدافع في غاية الغرابة و لا يمكن أن تخطر على ذهن إنسان عاقل فقد كان يقتلهن من أجل فكرة مجنونة من بنات أفكار إبليس. فقد كان الدافع وراء القتل لدى الفرنسي سفاح النساء الأغرب و الأشهر جان باتيست جرينوي سوى جمع روائح أجسام النساء لتجميع عطر بشري لم يبلغه أحد من قبل. 

حياته

ولد جان باتيست جرينوي في عام 1738 حيث ولدته أمه في حي فرنسي مسكون بأبشع أنواع الروائح على الإطلاق، و على الرغم من ولادته في تلك الأجواء إلا أنه كان بلا رائحة، حتى إن المرضعات اللاتي عهد به إليهن لإرضاعه تشاءمن منه و رفضته أكثر من واحدة لتقبله أخرى لا تمثل لها الحياة شيئا، ووجود طفل مشؤوم في حضرة المكان لا يقدم و لا يؤخر، ليكبر جان بقدرته الشمية التي ساعدته على القيام بأعمال خارقة. 

عندما بلغ جرينوي سن التاسعة إنتقل للعمل في مدبغة الدباغ جريمال و هو رجل ذو شخصية صارمة، و بعكس باقي الدباغين المتدمرين من رائحة المدبغة النتنة، كان جرينوي يعيش بشغف وسط كنز من الروائح و الإكتشافات الحسية التي كانت تشحذ حاسة الشم القوية لديه، و رغم أنه كان على وشك الهلاك بعد إصابته بإلتهاب في الطحال إلا أن حياته في المدبغة لفترة طويلة كانت فرصة له لإستكشاف روائح باريس التي لم تمضي إلا سنوات قليلة حتى كان يحفظها عن ظهر قلب.  

و لأنه كان الأقدر على شم أدق التفاصيل في جميع المخلوقات على الأرض فإن كل الروائح المصنعة من أفضل أنواع الزهور لم ترضى نهمه، و ظل ذلك العطر الأنثوى الغامض هو هاجسه، ليصل إليه في النهاية بعد سلسلة عجيبة من الأحداث التي لعبت فيها حاسة الشم القوية لديه دورا كبيرا فيها. 

و ينجح جرينوي في إستخلاص عطر يستطيع من خلاله توجيه مشاعر الناس وفق ما يريد، و هذا ما جعلهم يتعاطون معه بعد أن نصبوا له المشقة لقتله، و هو المجرم الذي فتك بجميلات المذينة بحثا عن عطره المنشود. 

الجريمة الأولى

في مساء الفاتح من شهر سبتمبر عام 1753 و بينما كان جرينوي يتجول في شوارع باريس لفتت إنتباهه رائحة فتاة صهباء ذات عيون خضراء تقطن في حي "دي ماري" كانت رائحة ساحرة فلم يستطيع تمالك نفسه فقد شدته رائحتها فتولدت لديه رغبة عنيفة في إمتلاك عطر الفتاة فقرر إختطافها و إستخلاص رائحتها من جسدها، و بالفعل قام بقتلها و أخذها معه إلى جحره السري من أجل القيام بإستخراخ رائحتها من أجل تركيبته العطرية، كانت لحظة إستنشاق جرينوي لآخر آثار العطر في جسد الجثة هي الحاسمة في تحديده للهدف المستقبلي لحياته أن يتعلم كيفية صنع جميع الروائح التي تشتهيها نفسه و أن يغدو أحذق عطار في العالم، و كانت تلك أول جريمة له، لتتبعها فيما بعد جرائم أخرى حتى صارت باريس غارقة في دوامة من الرعب حيث أصبحت المدينة تستيقظ بصفة دورية على جثث الفتيات العذارى و هنا يبدأ رجال البوليس في البحث عن هوية القاتل المتسلسل الذي بث الرعب في أوساط سكان المدينة، و كانت خاتمة كل تلك الجرائم ابنة إحدى الشخصيات النبيلة في باريس حيث لم يتمكن حراس والدها الشخصية من حمايتها ووقعت ضحية في يد السفاح المجنون جان باتيست جرينوي لتلقى نفس مصير سابقاتها من الضحايا. 

ليتمكن في الأخير من تركيب أكثر العطور كمالا بتوليف الرائحة المستخلصة من إبنة النبيل و دمجه مع باقي الروائح الإثنتي عشرة المستخلصة من أجساد الضحايا. 

و أثناء رحلته للبحث عن هدفه المنشود إلتقى جرينوي بعطار يدعى "بالديني" و هو رجل عجوز متمكن من تقنيات العطارة،لكنه يعيش أفولا قاسيا في موهبته في إبتكار العطور و كان لظهور جرينوي في حياته فرصة لإسترجاع مجده الضائع حتى يتمكن من مواجهة المنافسة الشرسة لصناع العطور الباريسيين، أما بالنسبة لجرينوي فقد كانت فرصة مناسبة له ليستعرض مواهبه الشمية أمامه من أجل أن يتعلم من خبرة "بالديني" في كيفية إستخلاص العطور، فلم يتردد "بالديني" في إنتشاله من مدبغة جريمال ليوظفه كعطار متدرب في معطرته المنتصبة فوق إحدى قناطر باريس. و هكذا توطد بين الرجلين توافق حيث كان جرينوي يبتكر وصفات جديدة من العطور لفائدة "بالديني" مقابل إقتسام الأخير لمعارفه التقنية مع عطاره الشاب. 

و هكذا تمكن جرينوي من تنمية خبرته في تقنية التقطير التي تمكن من خلالها من إستخلاص روائح الأزهار، أضطر جرينوي للمكوث مدة أطول في عطارة "بالديني" لإحتياجه لشهادة العطارة التي قايض بها "بالديني" مقابل منحه لها بإبتكاره لمئات من الوصفات الإضافية تضمن "لبالديني" إستمرار رخاء معطرته بعد رحيل جرينوي. 

و في صبيحة اليوم المصاف لمغادرة جرينوي ضواحي باريس لينتقل إلى مدينة "كراس" إنهارت معطرة "بالديني" فوق رأس مالكها و زوجته. و هنا بدأت رحلة جان باتيست جرينوي نحو البحث عن أكثر الروائح تميزا من أجل إبتكار عطره السحري و معها بدأت سلسلة الجرائم المروعة التي خيمت على مدينة "كراس" بمجرد وصوله إليها حيث كانت المدينة تستفيق يوميا على جثث فتيات عذارى قد تم الفتك بهن بطريقة بشعة حيرت المحققين لتبدأ بعدها عملية البحث المكثفة عن السفاح المتسلسل الذي نشر الخوف و الهلع في جميع أنحاء مدينة "كراس". 

إكتشاف أمر السفاح جان باتيست جرينوي

بعد وصول جرينوي إلى مدينة كراس و التي تعتبر عاصمة صناعة العطور في فرنسا تمكن هذا الأخير من الحصول على عمل في معطرة السيدة أرنولفي بفضل إمتلاكه للشهادة التي حصل عليها من معلمه بالديني و التي سوف تمكنه من تعميق معارفه التقنية، و أثناء فترة إقامته في هاته المدينة إكتشف جرينوي وجود عطر ساحر  و أبلغ أثرا من رائحة تلك الفتاة الصهباء من زنقة دي ماري و هي ابنة أحد أعيان المدينة حينها تبدأ سلسلة جرائم جرينوي بغرض إستخلاص العطور الطبيعية لأجساد أربع و عشرين من أجمل فتيات المدينة العذارى، و في الأخير يتمكن من إستخلاص العطر المنشود لكن يتمكن رجل الشرطة من معرفة هوية القاتل ليتم بعدها إلقاء القبض عليه و الحكم عليه بالإعدام ليحدث بعدها شيئ غريب فعند إقتياد جرينوي إلى ساحة تنفيذ حكم الإعدام عليه قام بوضع العطر الذي قام بصناعته من روائح أربعة و عشرين ضحية ليفقد آلاف الحاضرين صوابهم من شدة روعة ذلك العطر و بفضله يغدو جرينوي بريئا في نظر جلاديه و يكتسب قداسة لدى سكان مدينة كراس. 

بعد إطلاق سراح جرينوي عاد إلى مسقط رأسه باريس و قد قادته قدماه لا شعوريا إلى مكان ولادته و هو سوق السمك و في لحظة من الإكتئاب أدرك أنه بدون عطره السحري لن يكون محبوبا بين الناس كشخص طبيعي، صحيح أن جرينوي حقق ما يصبو إليه و هو أن يكون قادرا على إستمالة محبة و عطف البشر بفضل عطره السحري و الذي لا يوجد مثيل له لكنه رغم ذلك لم يستطع تجاوز كرهه الشديد للناس و حقده عليهم. 

خاتمة

قصة السفاح جان باتيست جرينوي هي قصة مجرم غير تقليدي، رجل غريب الأطوار ينتمي إلى أكثر المخلوقات البشرية شذوذا و غرابة جنونية عرفها العالم، لم يكن تركيز جرينوي في ذبحه لضحاياه إلا لغرض واحد و هو الحصول على عطر لكائن حي كرائحة نفاذة في الأزهار و الورود فقط و التي كانت في وجهة نظره الأكثر عبقا و التي يفرزها جسم آدمي لا يماثل عطره أي جسد آخر، حيث كان يبحث في ضحيته عن تفاصيل أنثوية قابعة في ركن ما ليتحين الفرصة و ينقض على الضحية في غفلة من سكان المدينة و ينتزع من جثتها العطر و يسكبه خاما في أنفه العجيب حتى تحين الفرصة لإستخراجه و تركيبه ليصبح عطرا فريدا يباع في قنينة ناذرة لا يماثلها شيء. 



الخميس، 6 يناير 2022

يناير 06, 2022

إيميليا داير سفاحة العصر الفيكتوري التي لا ترحم


إيميليا داير سفاحة العصر الفيكتوري التي لا ترحم


تعتبر السفاحة إيميليا داير واحدة من أكثر السفاحين وحشية و غرابة و شذوذ ليس فقط في إنجلترا إبان العصر الفكتوري، و إنما ربما في تاريخ العالم. 

و ما يجعلها الأكثر وحشية هو العدد الهائل من الضحايا، و يجعلها أكثر شذوذا هو أن كل ضحاياها كان من الأطفال الأبرياء، وأما ما يجعلها الأكثر غرابة فهي الطريقة التي كانت تقتلهم بها، و الطريقة التي كانت تتخلص بها من جثثهم.

و بعملية حسابية بسيطة توصل المحققون إلى أن عدد الأطفال الذين قتلتهم هذه المرأة خلال فترة قصيرة لا يقل عن 400 طفل، و هو رقم قياسي لا ينافسها عليه أي من القتلة و السفاحين في أوروبا.

و في محاكمتها، لم يستغرق المحلفون أكثر من أربع دقائق و نصف لإدانة إيميليا داير، و في العاشر من يونيو عام 1896 تم إعدام إيميليا داير شنقا. 

حياتها

ولدت إيميليا داير عام 1838 في بلدة صغيرة بالقرب من مدينة بريستل الإنجليزية، حيث ترعرعت في وسط عائلة ميسورة الحال و هي إبنة صانع الأحذية الرئيس صامويل هوبلي و سارة هوبلي، و كان ترتيبها الأخير من بين خمسة أشقاء، و قد تعلمت إيميليا القراءة و الكتابة و كانت محبة للشعر و الأدب. 

توفيت والدتها عام 1848 بسبب مرض التفود، ثم توفي والدها عام 1861 فغادرت منزل العائلة في نفس السنة بسبب خلافات على الميراث بينها و بين أشقائها. 

تزوجت إيميليا سريعا بعد تركها لمنزل عائلتها برجل يكبرها بثلاثين عاما، كما أنها عملت في التمريض. 

إيميليا داير سفاحة العصر الفيكتوري التي لا ترحم

و بالرغم من عملها في مجال التمريض إلا أن عملها لم يكن يدر عليها الكثير من المال، فوجدت لنفسها مصدر رزق آخر بعد أن تعرفت على سيدة تدعى "إيلين دان" و هي صاحبة ملجأ للأطفال جنت ثروة صغيرة عن طريق توفير مأوى للنساء الحوامل خارج إطار الزواج، و عن طريق تربية الأطفال غير الشرعيين الذين كانوا يولدون عندها أو كانوا يرسلون إليها حتى تتبناهم، تعلمت إيميليا من السيدة إيلين كيف تدير ملاجىء الأطفال، و تعلمت منها أيضا كيف تتخلص من الأطفال.  

فقد كانت النساء في ذلك الزمان يرسلن لها أطفالهن غير الشرعيين حتى تعتني بهم مقابل مبلغ من المال، و كانت تقتلهم حتى تحتفظ بالمال لنفسها و لا تضطر لإنفاق أي شيء منه عليهم، و لكنها كانت تحتاج إلى شهادة وفاة حتى تستطيع دفن الأطفال. 

و بذلك توجب عليها أخذهم إلى طبيب متمرس حتى يقرر الوفاة، لكن بما أنهم أطفال غير شرعيين لم يهتم الأطباء بهم كثيرا لذلك كانوا يقررون أن سبب وفاتهم سبب طبيعي نتيجة لسوء التغذية. 

إلا أنه في عام 1878 إرتاب أحد الأطباء في سبب وفاة أحد الأطفال و تقدم بشكوى ضدها أدت إلى إلقاء القبض عليها و تقديمها للمحكمة، و لكنها لم تحاكم بتهمة القتل بل بتهمة الإهمال فحصلت على حكم مخفف بالأعمال الشاقة لمدة ستة أشهر. 

تركت هذه العقوبة أثرا كبيرا في نفس إيميليا حتى إنها قضت فترة من الزمان في مستشفى الأمراض العقلية، إلا أنها لم تكف عن عمليات قتل الأطفال و لكنها لم تلجأ هذه المرة إلى الأطباء مرة أخرى بل كانت تتخلص منهم بطريقتها الخاصة، و غالبا ما كانت تقتلهم عن طريق خنقهم بشريط لاصق و من ثم تضعهم في حقيبة جلدية و تلقى بهم في نهر التايمز، و قد إستعملت إيميليا داير عدة أسماء مستعارة حتى لا تستطيع أمهات الأطفال أو الشرطة تعقبها، كما أنها كانت تكثر من التنقل من مكان لآخر. 

إيميليا داير سفاحة العصر الفيكتوري التي لا ترحم

و في شهر مارس من عام 1896 عثر ربان أحد قوارب الشحن على حقيبة صغيرة كانت طافية على مياه نهر التايمز قرب قرية بريدج الإنجليزية، و داخل الحقيبة كانت هناك رزمة ورقية تحتوي على جثة طفلة رضيعة متحللة، فأخبر الربان رجال الشرطة حول الحقيبة. 

إيميليا داير سفاحة العصر الفيكتوري التي لا ترحم

و هنا بدأت تحقيقات مكثفة تبحث عن أي خيط يمكنهم من الوصول إلى صاحب هذه الجريمة الشنعاء، و بتفحص للأدلة لاحظ المحققون وجود كتابة دقيقة جدا على حاشية الرزمة الورقية التي كانت داخل الحقيبة،و بإستخذام العدسات المكبر إستطاع المحققون من قراءة الكتابة التي تضمن إسم إمرأة تدعى "السيدة سميث" إلى جانب عنوان منزل في ريدنج، و قد قادهم العنوان إلى منزل إيميليا داير مباشرة، أخذت الشرطة تراقب منزل إيميليا لعدة أيام و قد قرروا نصب كمين لها فكتبوا لها خطابا مزيفا من إمرأة وهمية تقول بأنها أم عازبة تبحث عن يتبني  إبنتها الرضيع مقابل مبلغ من المال، و بالفعل إنطلت الخدعة على إيميليا التي سارعت بالرد على الرسالة و هي تعرض خدماتها و قد كتبت في نهاية الرسالة بإسم "السيدة سميث"، و كان ذلك كافيا لإدانتها في قضية الطفلة الرضيعة التي عثر عليها في مياه التايمز، داهمت الشرطة منزلها و عثرت على المزيد من الأطفال و قد إكتشفوا أنها قد قتلت قرابة العشرين طفلا خلال الأسابيع القليلة التي سبقت إكتشاف الجثة. 

إيميليا داير سفاحة العصر الفيكتوري التي لا ترحم

و فيما بعد توصل المحققون إلى إكتشاف مزيد من الضحايا و الذي بلغ عددهم 400 ضحية و هو رقم قياسي لا يضاهيها فيه أي أحد من السفاحين و القتلة الذين مروا على تاريخ إنجلترا و بهذا تم إدانة إيميليا داير في المحكمة بجرائم ها المرتبة في حق الأطفال الأبرياء حيث تم إعدامها شنقا في عام 1896. 


 


السبت، 1 يناير 2022

يناير 01, 2022

سلفادور دالي الفنان العجيب


سلفادور دالي الفنان العجيب


يعتبر الفنان الإسباني الراحل سلفادور دالي من أهم فناني القرن العشرين، و هو أحد أعلام المدرسة السريالية، و هو يتميز بأعماله الفنية التي تصدم المشاهد بغرابتها، و تصدمه أيضا بغرابة شخصية صاحبها و سلوكيات و تعليقاته و كتاباته غير المألوف و التي تصل حد اللامعقول و الإضراب النفسي.

في شخصية دالي و في حياته و في فنه يختلط الجنون بالعبقرية، و الحقيقة بالوهم.

و عادات دالي شديدة الغرابة، فالبنسبة للنوم يقول:"الناس عادة تتناول الحبوب المنظومة، حين يستعصي عليها النوم، لكني أفعل العكس تماما، ففي الفترات التي يكون فيها نومي في أقصى درجات إنتظامه و روعته، فإنني و بتصميم أقرر أن أتناول حبة منومة، و بصدق و بدون ذرة إستعارة، فإني أنام كلوح الخشب، و أستيقظ مستعدا شبابي مرة ثانية".

و من مكان لآخر يعطينا" دالي" تقريرها شبه يومي عن عمليته الإخراجية و كيف أنها تتم بسلاسة و نظافة، و يتكلم بحيرة عن عدم فهمه لإهمال المفكرين و الفلاسفة لهذه العملية رغم أهميتها للإنسان.

و عشق" دالي" للذباب لا يوجد ما يبرره، فقد قال ذات مرة:" يعجبني الذباب و لا أكون سعيدا إلا حين أكون عاريا في الشمس و الذباب يغطيني".

و في موقف آخر  يفاجأ بالصحفيين يحيطون و يتذكر أنه قد وعد بتقديم تصميم جديد لزجاجة عطر، و أعد مؤتمرا صحفيا لذلك، و بعد أن تسلم الشيك من صانع العطور، و سأله الصحفيون عن التصميم الجديد، فوجئ بأنه نسي كل شيء عنه، فإتبع أول ما ورد على ذهنه لينجو من هذا الموقف، تناول لمبة فلاش محترقة من أحد الصحفيين و رفعها قائلا:"إن هذا هو تصميمه الجديد، و أطلق عليه إسم" فلاش"، و هتف الصحفيون و هللوا و معهم صانع العطور".

الإيحاءات الغريبة التي تخلفها رسومات "دالي" في النفس تجعلك خارج الزمان و المكان.

رسم"دالي" لوحة شهيرة بعنوان "ثبات الذاكرة" عام 1931، يظهر فيها عدد من الساعات التي تشير إلى الوقت، و هي تبدو مرتخية و في حالة مائعة، و تعرف اللوحة أيضا بإسم الساعات اللينة، و الساعات المتساقطة، و الساعات الذئبة، و فيها موقف نسبي من الوقت و الزمن فيما يشبه نظرية أينشتاين.

و يقول الباحثين أن الفكرة الأصلية لهذه اللوحة قد أتت "لدالي" في يوم صيفي حار، حيث كان في منزله يعاني من الصداع بينما "جالا" زوجته تتسوق، لاحظ بعد تناوله وجبته نصف قطعة من الجبن تذوب بسبب حرارة الشمس، و في تلك الليلة و بينما كان يبحث في روحه عن شيء ليرسمه، شاهد حلما لساعات تذوب في الفراغ، عاد بعد ذلك إلى عمله الذي لم ينتهي بعد، حيث كان يرسم المرتفعات و الشجرة، و خلال ساعتين أو ثلاث كان قد أضاف الساعات الذئبة و أصبحت اللوحة كما نعرفها الآن.

و رسم "دالي" "تحولات نرجس المسخية" أو "إنمساخ نرجس" عام 1937 وفقا للأسطورة الإغريقية وقع نرجس في غرام إنعكاس صورته على سطح بركة صافية و أخذ يحدق طويلا بصورته و عندما أدرك عدم قدرته على معانقة الصورة المائية، وهنت قوته فقامت الآلهة بتحويله إلى وردة.

يظهر في اللوحة نرجس جالسا على حافة بركة من الماء يحدق إلى الأسفل، و هناك شكل صخري متحلل قريب منه، يتجاوب معه عن كثب، لكن الإختلاف كبير جدا، صورة ليد تحمل بيضة تنمو منها زهرة نرجس، و في الخلف مجموعة من الرجال و النساء العارية من مختلف الأجناس، بينما يلوح شكل شبيه بنرجس في الأفق، و قد كتب "دالي" قصيدة طويلة مرفقة مع اللوحة، و بين فيها "أنه تخرج من رأس نرجس زهرة هي نرجس جديدة... جالا نرجستي". 

و تبدو اللوحة مثيرة و صادمة بتشكيلاتها و ألوانها، و دلالاتها متنوعة في عمقها و رمزيتها و تجاوز الرموز يثير إرتباطات هادفة و معاني هامة، و هي لوحة سيريالية بإمتياز قابلة لعدة تأويلات. 

و رسم دالي لوحة "ذيل النونو" و هي آخر لوحة رسمها سلفادور دالي، إنتهت في أيار من عام 1983،و قد إستندت إلى نظرية "رنييه توم" الكوارثية و فيها غرابة و رمزية معقدة جدا. 

و في باريس كتب سلفادور دالي سيناريو فيلم يحمل عنوان " كلب أندلسى" و يبلغ طوله حوالي 17 دقيقة و هو مزيج حلمي غريب، و المشاهد و الأفكار لا يمكنها أن تثير تفسير عقلاني من أي نوع "شفرة موسى تفقأ عين فتاة" و المعنى ربما "فقء" كل ما هو تقليدي و سائد، كما كتب كذلك "رجل ينزع فمه من وجهه" و " و بيانو تزينه جثث حمير"، و "نمل يزحف على يد رجل" و " واحد في الشارع يحمل مكنسة تنتهي إلى يد آدمية يدفع بها الفضلات" و من الطريف أنه لا يوجد في الفيلم أي كلب أو أندلس. 

و في مقال حديث قدمته الباحث كارولين مور في جامعة أكسفورد و المنشورة في مجلة الشخصية و الإختلافات الفردية، تميل إلى إعتبار سلفادور دالي مصابا بإضطراب ذهاني و إضطراب في الشخصية على الرغم من محاولات دالي إخفاء معلومات هامة عن نفسه في كتبه و تصريحاته الصحفية. 

و تشمل أعراضه الموصوفة هلاوس سمعية و حالات من الشك المرضى و نوبات من الغضب و العنف إضافة لهذيانات العظمة و سلوك جنسي إستعراضي و إثارة جنسية ذاتية غريبة، و ضحكات غير مناسبة مع تعليقات جارحة غير مناسبة، و صعوبات في التعاطف مع الآخر مع سلوك إحتيالي و شادية. 

و إذا وضعنا ما سبق ضمن الإطار التشخيصي للدليل التشخيصي الأمريكي الثالث يمكن إعطاء تشخيص ذهان غير نموذجي و فيه مزيج من أعراض الفصام و الإكتئاب، مع عدة من أنواع من إضطرابات الشخصية و هي الشخصية الزوري و الفصامية و المضادة للمجتمع و الهستريائية و النرجسية. 

و يشكك باحث آخر في هذه النتائج على إعتبار أن دالي لم يتلقى أي علاج نفسي، و أنه كان فنانا ناجحا و مبدعا و لم يسبب له المرض النفسي تعطيلا عمليا، و يقترح نظرية "الغرابة المسيطر عليها" و التي تعني أن مزيجا من الأعراض المرضية النفسية مع صفات نفسية صحية يمكن أن تسهل العمل الفني الإبداعي و أن الغرابة نفسها هي التي تسهل النجاح. 

و تتضارب المعلومات حول تلقى دالي للعلاج النفسي، و قد وردت معلومات بأن زوجته كانت تعطيه أدوية سببت له أعراضا شبيهة بداء باركنسون، و عادة ما يكون كذلك بسبب مضادات الذهان التقليدية. 

و تبين الدراسات النفسية الحديثة التي تحاول فهم العلاقة بين العمليات الإبداعية بمختلف أشكالها و الإضطرابات النفسية، أن درجة خفيفة من الصفات الذهانية الفصامية أو إضطراب المزاج الدوري "هوس إكتئابي خفيف" أو إضطراب التوحد، يمكن لها أن تدعم و تفسر العمليات الإبداعية الناجحة، و أن هذه الصفات مفيدة و إيجابية لأنها تؤدي إلى مرونة في التفكير و إنفتاح في الذهن و تحمل للمخاطر، و أنها رافقت الإنسان في سيرته التطور ية، و أن الفارق بين الطبيعي و المرضى هو فارق كمي و ليس و نوعيا، و لكن هناك ثمن لابد منه و هو أن البعض سيصاب بإضطراب نفسي شديد و معطل. 

في عام 1989 توفي الفنان السيريالي سلفادور دالي عن عمر يناهز 84 عاما، و قد إستحق كل الأوصاف التي أطلقت عليه "كالعبقري المجنون" و " الفنان العجيب" و "الرجل الذي يهذي" و غيرها من الألقاب التي تعبر عن غرابة أطوار  شخصية دالي بالنظر إلى الأفكار و التصرفات و السلوكيات الغريبة التي ميزت حياته الفنية و النظرية، سواء في موطنه إسبانيا أو أثناء إقامته في الولايات المتحدة.